الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من حيث لا نحتسب ينهار الستر

بواسطة azzaman

من حيث لا نحتسب ينهار الستر

مروان صباح الدانوك

 

ثمة وجوه لا تُرى في المرآة، بل تنكشف في الانعكاسات المكسورة، حين يسقط الضوء من زاوية غير محسوبة. ثمة قلوب لا تنبض، بل تطرق. طرقٌ ناعمٌ كأنامل ملاك، لكنه لا يطلب الدخول، بل يسرق حين يغفل الحارس. المدينة كانت ساكنة، الطيور تحفظ لحن الصباح عن ظهر عاطفة، والماء يهمس للضفاف بسلام لا يُشبهه إلا السُّهاد. ثم جاءت، لا كريحٍ عاصفة، بل كنسمة تتسلل من نافذة مفتوحة بإهمال. لم تطرق باب المعنى، لكنها مشَت في ممراته بخفة العارف، كأنها تحفظ خارطة التيه عن ظهر قلب. لم أكن أنظر إليها، بل كنت أستشفّ ملامحها من صمت المدى، أقرأها في ارتباك الوقت، في اتساع المسافة بين نبضتين. كانت تشبه القصائد التي تُقال لتغوي القارئ لا لتشفيه، تُسكره بموسيقاها ثم تتركه على قارعة التأويل. سارت إلى جانبي، لا كتفًا بكتف، بل ظلاً يتبع الضوء بذكاءٍ محسوب، تتقن متى تُضيء ومتى تُعتم، لا لتتوارى، بل لتضبط مشهد الغياب حين يحين وقته.

أنا؟ كنت أعميَ البصيرة برغبة اليقين، أبحث عن دفءٍ في لهجةٍ باردة، وأسمع نشيد الولاء في ترنيمةٍ مسطّرة بماء النية. وما الماء في وجه المرايا سوى خدعة تُجيدها السراب. لم تكن هنا لأجلي، بل كنت جسراً مبلّلاً تمرّ عليه كلما بلّلها المطر. وكانت تعرف، لكنها لم تخبرني، لأن الخداع لا يرفع صوته، بل يهمس حتى لا يُفتضح. اليوم، صارت اللغة بلا قافية، والنغمة بلا نشاز، لأن الستار قد سقط، من حيث لا نحتسب، سقط. وانكشفت الحقيقة، لا كصرخة، بل كصمتٍ ثقيلٍ يُشبه سقوط ريشةٍ في غرفة مغلقة. لم تعد الرؤية تهمّ، فالمشهد قد انتهى، والمسرح بات يتّسع للفراغ. ليس كل من يسير إلى جوارك يسير معك، بعضهم يراقب ظلك ليتّخذه طريقاً حين تذوب خريطته. وبعضهم، لا يُجيد الغرق، لكنه يُجيد سحبك معه حين يتيقّن من جهله بالنجاة.

في النهاية، لم يبقَ إلا هذا المقال.. بقايا حديثٍ لم يُقل، وظلّ مشهدٍ سقط منه البطل.

 

 

 

 


مشاهدات 148
الكاتب مروان صباح الدانوك
أضيف 2025/04/17 - 2:29 AM
آخر تحديث 2025/04/19 - 5:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 309 الشهر 18966 الكلي 10899613
الوقت الآن
السبت 2025/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير