يا طبيبي صواب دلالي كلف
علي السوداني
لم يكن مزاجي كما كان البارحة مساءً . يبدو أنني قد وصلت قبل تمام الموعد بثلاثين دقيقة كانت كافية جداً لأن تضرب روحي بكآبة تشبه وجه أنتوني هوبكنز في شريط الأب .
بناية رصاصية مدهشة قائمة على طبقة واحدة ، كأنها بيت ما زال يتململ في الذاكرة .
بمقدوري قراءة العنوان المضروب على جبهة المكان قبل أن أجتاز البوابة الخارجية بمسافة طولها الإنتهاء من شفط آخر ما تبقى من جسم لفافة التبغ .
هو المركز الكوني لعلاج الأمراض السارية . منحتني مفردة السارية المنفلتة من سطر المكتوب ، الكثير من الطمأنينة وربما الإمتنان من باب أنَّ الحشر مع الناس قد يكون عيداً
هذا الشعور بالإسترخاء لم يستمر طويلاً ، حيث صالة المنتظرين على شكل مربع غبي تأكل أضلاعه الثلاث صفوف من الكائنات البشرية التي تفاوتت الإشارات المنبعثة من وجوهها بين صفرة مكدرة وابتسامة جانبية والعظيم من الخذلان .
أنفقت سبع دقائق عند مكمن موظفة الاستقبال ، كنت فيها على وشك أن أقرر الهروب من الغرفة مع إحساس فائض من عملية خنق ممنهجة ، لكنني لملمت نفسي وواصلت الإجابة عن الأسئلة القابضة حتى تحولت إلى ملف إبتدائي ينتظر كشف الحكيم .
الحقيقة هي أنني كرهت تلك المخلوقة اللعينة . كانت تمضغ عيدان البطاطا بعد تطميسها بعلبة صغيرة من خليط الثوم واللبن الرائب ، ما يجعل الرائحة الهابة من ثقوب النافذة الصغيرة تشبه إلى حد كبير تلك التي سيمنحني إياها الرجل المتهدل الذي شاركته ما تبقى من المصطبة .
بدا لي من النوع الذي يعيش عزلة عائلية مدمرة ، وقد عرفت ذلك من طريقة ترحيبه واحتفائه بي ، وتلك إشارة رائعة من أجل أن يفترسني بحديث شامل عن أصل العلة النائمة ببطنه وغباء الطبيب وانثقاب الجيب وضرورة هجر القهوة والتدخين وغلطة الزواج المبكر .
ما زال الطبيب المنتظر غائراً بجب الغياب ، وفتاة الإستعلام تبذل جهداً طيباً في عملية تصنيع الأمل . كانت مثل مغنية لذيذة في حانة ، تتثنى وترش نظراتها المغناج بالعدل حتى يظن السهارى المفلسون بأنهم على عتبة عشقٍ جديد .