أبونا يتحدّث عن أهمية إستقطاب مثقّفي المهجر في مؤسّسات تلم شمل الجميع: للبيئة تأثير على الثقافة والتربية والقيم المعرفية
سامر الياس سعيد
يتمتع الكاتب يعقوب ابونا بحضور مهم بين اوساط المثقفين لما يمتلك من سعة نظر تجاه القضايا التي مر بها المسيحيون ومحطاتهم التاريخية التي استهوت قلم ابونا بيسر تجاهها الكثير من المقالات والاراء حتى وصل الى قناعة بان يسهم باعداد موسوعة تلم كل ما يتعلق بحضارة وادي الرافدين لايصال رسالة للاجيال القادمة بما تمتلكه اسلافها واجداده من حضور مهم على وجه البسيطة لذلك ارتكز لقائي مع هذه الشخصية المثقفة على الكثير من المحاور التي تنوعت بين هواجس وارهاصات المثقفين في المهجر وما يعانونه في سبيل الحصول على المعلومة ومشاركتها للاخرين فكانت حصيلة هذا اللقاء عجلة السؤال والجواب التي دارت بهذه الردود :
□ هل للبيئة اثر في الاسهام بتوجهك الثقافي والادبي ؟
-نعم، إن البيئة التي تربيت فيها كان لها تأثير على ثقافتي وتربيتي وقيمي المعرفية. وكما تعرف، فإنني ابن القوش العريقة، إذ يمتد تاريخها إلى آلاف السنين، وقد أنتجت الكثير من الشخصيات المعروفة على كل المستويات. لذا تجد أن الجميع يسعى إلى أن يكون جزءًا من هذا الإرث المعرفي اعتزازًا بانتمائه لهذه البيئة.
□ بين تخصصك في القانون وتوجهك وابحارك في متون كتب التاريخ اين يجد الكاتب يعقوب ابونا نفسه ؟
- العمل في مجال المحاماة، في العراق ليس هناك تخصص في نوع العمل الحقوقي ، ولكن الواقع التي يعيشه اي محامي من خلال عمله يفرض عليك احيانا ان تتوجه الى نوع من انواع القضايا التي يتمكن التعامل معها بفعالية ، والا يبقى يمارس عمله كمحامي في شتى انواع القضايا المطروحة عليه ،.
أما اهتمامي بالغوص في متون الكتب التاريخية، فقد كان منذ صغري بدافع الربط بين الماضي والحاضر، لكي أستطيع أن أفهم أين نحن من كل هذا الامتداد التاريخي. وكما تعرف، فإن التاريخ ليس مجرد قراءة، بل هو وسيلة للتعلم والاستفادة من أحداثه، سواء كانت سلبية أو إيجابية، على المستوى الشخصي أو الشعبي ..
وقد تأثرت بما قاله شيشرون، خطيب روما المشهور (106 ق.م): «من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلًا صغيرًا». لذا، لم أكن أرغب أن أبقى طفلًا. بالفعل، إن الاهتمام بقراءة التاريخ والتفاعل مع أحداثه يؤدي إلى النضج الفكري والمعرفي، ويسهم في كمال الشخصية الإنسانية..
□ نتاجك الادبي يتسم بالتنوع، ماالسر في ذلك وهل هو نابع من القراءة والابحار في شتى مجالات المعرفة ؟
شهادة تأهيل
-الثقافة هي بالتنوع المعرفي، بمعنى أن يكون لديك معرفة بكل ما تريد أن تعرفه أو تُعرّفه للآخرين. وعندما تكون لديك هذه المَلَكة يمكن أن يُقال إنك مثقف. لذلك، الثقافة تختلف عن التخصص، فالتخصص هو أن تمتلك شهادة تخصص تؤهلك لأن تُبدع في نوع معين من العلوم...من هنا تكون ساحة الثقافة مفتوحة أمام المثقف ، بعكس ساحة المتخصص التي تكون محددة. لذلك كانت لي رغبة واندفاع خاص عندما أجد هناك خللًا في توجه معين أو عيبًا ونقصًا في معلومة او فكرة معينة أو فهم معين. فكنت أجد نفسي أبحث وأفتش عما هو صحيح أو خطأ، من بطون الكتب. وهذا من الطبيعي أن يكون من مستلزمات تحقيقه والوصول إليه، من خلال البحث المستمر بمقارنات علم المقارن، تصل إلى ما هو صحيح أو ما هو خطأ.وهنا أنت تُبحر من غير أن تعرف أنك بين أمواج تقذفك هنا وهناك، ولكن المهم أن تصل إلى بر الأمان، وتكون قد قدمت ما هو صالح ومطلوب لخدمة شعبك. وهذا هو المهم...
□ يتنوع قلمك في الاضاءة بكافة المجالات فهل لمست قصورا او شحة في بعض المصادر تجاه معلومات تاريخية محددة ؟
-نعم، هناك دائمًا شُحّة في المصادر المعلوماتية، وخاصة أني في الغربة، لأنه من الصعوبة بمكان أن تستطيع أن تجمع وتُلمّ بكل المصادر المعرفية في حقل معين. ولكن أستفيد مما يقع بين يدي ليكون مصدرًا لمعلوماتي. لذلك، أعتقد دائمًا أنني مقصّر فيما أقدمه من معلومات التي قد تستحق التجديد..وهكذا، لا يمكن أن تكون لدى أي شخص حقيقة مطلقة بشأن أي شيء، لأن كل شيء يتغير، وما نمتلكه عنه ليس إلا ما نعرفه عنه. فعندما نتكلم عن موضوع معين، نتكلم بما نعرفه فقط، وغيرنا يكمل بما يعرفه، فتكتمل الصورة المعرفية بذات الشيء. ولذلك، هناك اختلاف في الطروحات والاجتهادات الفكرية في شتى المجالات المعرفية وبمختلف صنوفها. وهذا ليس إلا إثراءً معرفيًا في دلالات البحث العلمي أو الثقافي أو التاريخي وغيرها من العلوم الجدلية. واليوم، كما هو معروف، ليس هناك علم ثابت، بل الكل متغير، وكل فكرة تكمل اخرى .. .
□ مع هذا التنوع في الفكر والكتابة ولكنك لاتملك كتبا مطبوعة فما السر في ذلك ؟
-بصراحة، لا يوجد سر في الأمر. كنت أعتقد أن نشر الأفكار من خلال مقالات أو أبحاث مباشرة عبر مواقع النشر أسهل وأسرع بما يتعلق بايصالها للناس من الانتظار لجمعها وطبعها بكتاب، وهو ما يستغرق وقتًا طويلًا. لكن نصحني بعض الأصدقاء المهتمين بالثقافة بأن أجمع كل مجموعة من مقالاتي في كتاب واحد. وهذا ما أسعى لتحقيقه اليوم بإذن الله..
□ وفي ضوء الاجابة السابقة فهل في غياب دور النشر المتخصصة الخاصة بالمكون المسيحي دور في غياب ثقة الكتاب في الاسهام بنشر مطبوعاتهم ؟
-بصراحة، لم أواجه أي مشكلة حتى الآن لأنني لم أسعَ لنشر أي من أعمالي بعد. ولكن، كما سمعت من بعض الزملاء الذين لديهم إنتاجات فكرية ومسودات جاهزة للطباعة، فإنهم يعانون من صعوبات في عملية النشر والطباعة. كما ذكرت، الأهم هو إيصال الفكرة المعرفية إلى الناس بأي وسيلة أو طريقة ممكنة، لأن الغاية هي أن يستفيد الآخرون مما لديك من معلومات ، وهذا مما يساهم في خدمتهم ويتيح لهم مشاركتك تلك المعرفة. أسأل الله أن أوفق في المستقبل، وأن لا أواجه أي صعوبات في طباعة كتبي...
□ يملك المكون المسيحي عددا لاباس به من المؤسسات الثقافية فهل لديك رؤية تجاهها خصوصا تلك التي في المهجر ومدى اسهامها في التواصل بين كتاب هذا المكون سواء في المهجر او في الوطن وماهي سمات الارتقاء بواقعها من جانب وجهة نظرك ؟
-سمعت عنها ولكن لم أتمكن من العثور عليها... فالارتقاء بواقعها يتطلب جمع الكتاب والمثقفين في المهجر لتوحيد خطابهم وتوجيه أهدافهم بما يخدم شعبنا في الداخل. وهذا أمر مهم للتعرف إلى بعضهم البعض، ومن خلاله يمكن التواصل مع الداخل. .
□ ذكرت في لقاء سابق انك بصدد اعداد موسوعة بعنوان بلاد الرافدين حضارة وتاريخ فهل لك ان تضيء لقراء الزمان محاورك للموسوعة ومحطاتها التي ترتكز عليها؟
تاريخ الشعوب
-نعم، أنا بصدد تنقيح مفرداتها وتنسيق أجزائها في كتاب متكامل لكل موضوع. فهي تتناول تاريخ شعوب بلاد الرافدين منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى مخطوطة عن تاريخ كنيسة المشرق، وأخرى تتألف من جزئين عن بطاركة كنيسة المشرق في الألف الأول والثاني.
□ تسعى لابراز دور عائلة ابونا في موسوعة او مطبوع خاص بهذه العائلة العريقة والمعروفة ماهي المحطات التي يرتكز عليها مشروعك وماهي المصادر التي تستقيها لانماء مثل هذا الجهد التراثي والمعرفي؟
-إن الدور التاريخي لعائلة «بيت أبونا» في مسيرة كنيسة المشرق يعد من الركائز الأساسية التي لا يمكن الحديث عن تاريخ الكنيسة المشرق لــــدى اي من فروعها المتعــــــددة دون التطرق إليها. فقد أســهمت هذه العائلة العريقة في بناء العقيدة الايمانيـــــة لهــــــــــــذه الكنيسة وتوجيه مساراتها لاكثر من 650 سنة ، وكان لها حضور لافت في مختلف المحطات التاريخية الهامة. ومن هنا، لا يمكن لأي بحث جاد عن الكنيسة إلا أن يعكس تلك المكانة العظيمة التي احتلتها هذه العائلة في تشكيل هويتنا الدينية والفكرية. وبصراحة وكما ذكرت انفا نحن الذين نعيش في الغربة دائما لدينا شحه بالمصادر ، ونعتمد بقدر ما يتيسر لي من تلك المصادر فالتمس منها ، في ابحاثي وكتاباتي .. وطبعا بعد ان اميز الغث من السمين ..أعتقد أن الأمانة في تقديم المعرفة، سواء كانت في البحث أو الكتابة، تشكل أساس العمل الأكاديمي في أية مرحلة زمنية. والواجب يقتضي أن لا نبخل على شعبنا بما تعلمناه أو اكتسبناه من معرفة، بل أن نشارك معهم لما لها من قيمة في بناء الهوية الثقافية والدينية. في هذا السياق، تبقى المسؤولية كبيرة في مواجهة من يحاولون تشويه التاريخ أو تحريف الحقائق، بهدف إثارة الفتن أو نشر الجهل. وطمــــــس الحقيقــة .. وان الشمس لاتحجبهـــــــا غربال.