الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدينار العراقي و رحلة الــ93  عام عبر التاريخ

بواسطة azzaman

الدينار العراقي و رحلة الــ93  عام عبر التاريخ

مهدي حنون العلاق

 

شهد الدينار العراقي رحلةً حافلة بالتقلبات التاريخية والاقتصادية والسياسية، بدأت عقب الاحتلال البريطاني للعراق (1914-1920)، حيث تم إيقاف التعامل بالنقود العثمانية، واعتمدت الروبية الهندية كعملة قانونية في البلاد. وقد أثار ذلك استياء العراقيين، الذين رأوا أن تحقيق السيادة الوطنية لا يكتمل إلا بوجود عملة عراقية مستقلة تعكس هوية البلد، وتساهم في فصل الاقتصاد الوطني عن النظم الاستعمارية القديمة، خاصة مع المخاوف المتزايدة من انخفاض قيمة الروبية الهندية، التي كانت العملة المتداولة آنذاك، إذ تبنّى المسؤولون في العراق آنذاك آراء الخبراء البريطانيين، الذين رأوا ضرورة تأسيس لجنة مشتركة لإصدار العملة عام 1931، مقرها في لندن، رغم المعارضة المستمرة التي طالبت بتأسيس مصرف وطني. وقد نصَّ قانون العملة العراقية رقم 44 لسنة 1931 بشكل غير مباشر على إمكانية إنشائه مستقبلًا، حيث جاء في المادة (24) منه: "تنتهي مهمة لجنة العملة عندما يؤسس بقانون مصرفٌ أهلي عراقي أو أي مصرف آخر له امتياز خاص بإصدار الأوراق النقدية في العراق." ومع ذلك، استمرت لجنة العملة العراقية في ممارسة مهامها إلى حين إنشاء مصرف خاص لهذا الغرض، وذلك بعد انتهاء الظروف الاستثنائية التي نشأت بإعلان الحرب العالمية الثانية عام 1939.

وُلد أول دينار عراقي في 16 مارس 1932، في خطوةٍ نحو تحقيق الاستقلال النقدي للعراق، تزامنًا مع انضمامه إلى عصبة الأمم في 12 يوليو 1932، والتي كانت تسعى إلى إعادة الاستقرار في الأنظمة المصرفية والنقدية، إضافةً إلى تقديم توصيات بتأسيس بنوك مركزية، وفقًا لمخرجات مؤتمر المالية في بروكسل عام 1920. وقد صدرت المجموعة الثانية من النقود بتاريخ 19 نوفمبر 1934، حاملةً صور ملوك العراق آنذاك، وتمت طباعتها من قِبل شركة Bradbury, Wilkinson البريطانية المتخصصة في طباعة الأوراق النقدية والطوابع.

على مرِّ العقود، لم تخلُ رحلة الدينار من التحديات، إذ واجه الاقتصاد العراقي العديد من التقلبات بسبب الأحداث الإقليمية والعالمية. فقد أثرت الحروب، النزاعات الداخلية، والتحولات السياسية الكبرى على قيمة الدينار واستقراره، حيث مرَّ بعدة مراحل، منها:

الطبعة الملكية: حملت صورة الملك فيصل الأول واستمرت حتى عام 1958.

الانتقال من ربط العملة بالباوند البريطاني إلى الدولار الأمريكي: في عام 1959، تم ربط الدينار بالدولار بسعر 1 دينار = 2.8 دولار.

أعلى قيمة للدينار: شهد عامي 1971 و1973 انخفاض قيمة الدولار، مما رفع قيمة الدينار العراقي إلى 3.3778 دولار، وهي أعلى قيمة وصل إليها الدينار.

أدنى قيمة للدينار: في أواخر عام 1995، بلغت قيمة الدينار 3000 دينار مقابل الدولار الواحد.

الطبعة الجمهورية: استمرت حتى عام 1978، تبعتها الطبعة الدولية المعروفة بـ"الطبعة السويسرية"، التي طُبعت لدى شركتي ديلاو البريطانية وإيكسبورتلس السوفيتية حتى عام 1990.

طباعة محلية أثناء الحصار الاقتصادي: نتيجةً للحصار المفروض على العراق، لجأ البنك المركزي العراقي إلى طباعة الأوراق النقدية محليًا في دار النهرين للطباعة، لكنها افتقرت إلى المواصفات الأمنية اللازمة.

وفي مطلع عام 2003، قام البنك المركزي العراقي بسحب جميع الأوراق النقدية المحلية والدولية (الطبعة السويسرية)، وأصدر سلسلة جديدة من الدينار العراقي مكوّنة من سبع فئات، بمواصفات أمنية عالية، مع الاستمرار في تطوير هذه المواصفات لمنع التزييف والتزوير. كما اعتمد البنك المركزي تقنيات حديثة لكشف الأوراق النقدية المزيفة، ويعتزم مستقبلاً إصدار دينار رقمي مركزي لمواكبة التوجهات العالمية في النظام النقدي.

خاتمة

يمثل مرور 93 عاماً على ميلاد الدينار العراقي مناسبةً للتأمل في مسيرته الحافلة بالتحديات والإنجازات، والتي تعكس السعي المستمر نحو الاستقرار الاقتصادي وتعزيز النمو. إن فهم هذه المراحل يوضح الجهود المبذولة للحفاظ على استقرار العملة ودعم الاقتصاد الوطني، مما يساهم في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً لبلدنا العزيز.

 

 


مشاهدات 115
الكاتب مهدي حنون العلاق
أضيف 2025/03/19 - 3:36 PM
آخر تحديث 2025/03/20 - 5:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 673 الشهر 11223 الكلي 10572172
الوقت الآن
الخميس 2025/3/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير