الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإنسحاب الأمريكي المفاجئ من العراق.. إعادة تموضع أم بداية مرحلة جديدة ؟

بواسطة azzaman

الإنسحاب الأمريكي المفاجئ من العراق.. إعادة تموضع أم بداية مرحلة جديدة ؟

شذى العاملي

 

أعاد الانسحاب الأميركي المفاجئ من بعض القواعد العسكرية في العراق خلط الأوراق في المشهدين السياسي والأمني، وأثار جدلاً واسعًا حول أهدافه الحقيقية وتداعياته المستقبلية. ففي حين اعتبرته قوى سياسية عراقية خطوة طال انتظارها نحو تعزيز السيادة الوطنية، حذّر آخرون من أن يؤدي إلى فراغ أمني يعيد نشاط الجماعات المسلحة. وعلى الجانب الأميركي، أكدت واشنطن أن ما جرى لا يُعد انسحابًا كاملًا، بل إعادة تموضع وتحول في طبيعة العلاقة مع العراق من وجود قتالي مباشر إلى شراكة أمنية ثنائية أوسع. وبين القراءات العراقية والتحليلات الأميركية، يقف العراق اليوم أمام مرحلة مفصلية قد تعيد تشكيل توازناته الداخلية والإقليمية.

ضغوط داخلية وتنافس إقليمي

داخليًا، يواجه العراق ضغطًا شعبيًا وسياسيًا متزايدًا للمطالبة بإنهاء الوجود الأجنبي، في وقت ينقسم الرأي العام بين من يرى في الانسحاب تعزيزًا للسيادة الوطنية، ومن يخشى من حدوث فراغ أمني قد يعيد نشاط الجماعات المسلحة. إقليميًا، يفتح تراجع الدور الأميركي المباشر الباب أمام تعاظم نفوذ إيران وتركيا، ما يعمّق التنافس على الساحة العراقية.أما أمنيًا، فتظل احتمالات الفراغ الأمني قائمة إذا لم تنجح مؤسسات الدولة في ضبط الحدود وتعزيز قدراتها، وهو ما يثير هواجس من عودة النشاط المسلح في مناطق هشة.

الرؤية الاستراتيجية

المهندس علي جبار الفريجي، المختص بإدارة الأزمات، يرى أن هذا الانسحاب «يشكل تهديدًا وفرصة في آن واحد»، موضحًا «التهديد يكمن في ترك فراغ أمني إذا لم تتم معالجته بسرعة، أما الفرصة فتتمثل في إمكانية استثمار العراق لهذه اللحظة لإعادة بناء منظومته الأمنية والسياسية على أسس وطنية متوازنة، بما يحوّله من ساحة صراع إلى لاعب إقليمي مؤثر». ويضيف أن «الانسحاب الأميركي في آب 2025 ليس نهاية لقصة الوجود الأجنبي في العراق، بل بداية لمرحلة جديدة تضع الدولة العراقية أمام اختبار تاريخي. النجاح يتطلب إدارة ذكية للأزمة، واستثمار هذه الفرصة لبناء سيادة حقيقية، بدلاً من ترك البلاد في مهب التجاذبات الدولية والإقليمية».

الانسحاب والاتفاقيات الأمنية

عن انعكاسات الانسحاب على المفاوضات العراقية – الأميركية المقبلة، يؤكد النائب المستقل جواد اليساري، عضو لجنة الأقاليم والمحافظات في البرلمان العراقي، أن «الحكومة العراقية لديها اتفاقيات أمنية مع الجانب الأميركي، وهناك اتفاق على جدولة انسحاب القوات الأميركية تدريجيًا. فإذا كان هذا الانسحاب ضمن إطار تلك الاتفاقية فهو أمر جيد، وعلى القوات العراقية أن تحل محل القوات الأميركية. أما إذا كان الانسحاب مفاجئًا، فنحن نتخوف من حصول فراغ أمني إذا لم تتمكن القوات العراقية من سد هذا الفراغ».

توقيت الخطوة والازدواجية

المستشار السياسي د. أحمد المياحي يعلّق على توقيت الانسحاب قائلًا «في البداية، التوقيت ليس مفاجئًا لأنه جاء وفق الاتفاقيات المبرمة بين العراق وأميركا، لكن ما هو مفاجئ هو ربط الانسحاب بتصريحات المسؤولين الأميركيين حول ازدياد نشاط تنظيم داعش والقاعدة. هذا يعني أن هناك مساحة لإعادة تنظيم القاعدة للواجهة، خصوصًا أنه يحظى بحاضنة شعبية في المناطق الغربية باعتباره يحمل أيديولوجيا أقل تشددًا من داعش».

ويرى المياحي أن الخطوة «تحمل ازدواجية كبيرة»، فهي من جهة تلبّي مطلبًا شعبيًا عراقيًا طال انتظاره، لكنها من جهة أخرى «لا تخلو من حسابات تكتيكية أميركية مرتبطة بإعادة توزيع النفوذ والضغط الإقليمي». ويضيف «قد يُسوّق هذا الانسحاب على أنه استجابة للمطالب الشعبية، خاصة من قبل الفصائل المسلحة التي صعّدت خطابها ضد بقاء القوات الأميركية والتحالف الدولي. لكنني أراه محاولة لابتزاز الحكومة العراقية ومنع تمرير قانون الحشد الشعبي، أو للحصول على مساحة أكبر في صناعة القرار السياسي العراقي».

إعادة تموضع لا انسحاب كامل

المحلل السياسي والباحث الاجتماعي محمد فخري المولى يقدّم قراءة مختلفة، فيقول..»هناك هالة إعلامية كبيرة حول الانسحاب الأميركي، لكن الأمر ببساطة يرتبط أولاً بجدول انسحاب معلن، جرى التعجيل به. أما من ناحية التحليل، فالمشهد يدخلنا إلى بوابة كبيرة من الفرضيات، لأنه في الحقيقة إعادة تموضع أكثر منه انسحاب كامل».

ويتابع «انتقال القوات إلى شمال العراق بدلًا من انسحابها الكامل يثير العديد من علامات الاستفهام. لماذا لم تتجه إلى قاعدة أميركية في بلد آخر؟ ولماذا بقي جزء منها في كردستان؟ الواضح أن الأمر إعادة تموضع تهدف لرسم سياسة معينة».

ويضيف المولى أن «القوات التي تبقت ليست قوات قتالية بل مستشارون مرتبطون بعقود التسليح والتدريب والتجهيز». لكنه يطرح تساؤلًا مهمًا:

«هل ستكون هناك انعكاسات؟ الجواب نعم، خصوصًا في أجواء ملتهبة ومتوترة. فهناك صراعات وشيكة بين الكيان وإيران، ووضع غير مستقر في سوريا، وإعادة تشكيل في لبنان، وضربات مستمرة على اليمن. في ظل هذه الظروف، انسحاب بهذه الضخامة الإعلامية يعني أن شيئًا ما يُحاك ضمن سيناريوهات منطقية، وقد تكون رسالة موجهة لكل الأطراف بأن حدثًا كبيرًا قادم، وإن كان إثباته منوطًا بما ستكشفه الأيام المقبلة».

التحول إلى شراكة استشارية

يرى الباحث صلاح بوشي أن الانسحاب الأميركي يمثل تحولاً في طبيعة العلاقة مع واشنطن، من وجود قتالي مباشر إلى شراكة استشارية وأمنية. وهذا ما يعزز سيادة القرار العراقي ويجعل المفاوضات المقبلة أكثر وضوحًا وتركيزًا على مجالات التدريب والتسليح والدعم الاستخباري».

لكنه يحذّر من أن الفراغ الأمني ليس مستبعدًا، موضحًا «قد يظل احتمالًا قائمًا في بعض المناطق الهشة مثل الحدود مع سوريا وأطراف نينوى وكركوك، إذا لم تُدار المرحلة الانتقالية بتنسيق جيد وتعاون استخباري وعملياتي فعّال. وهنا يتحول الأمر من منجز سيادي أمني إلى منجز سيادي سياسي، يعتمد على إطار التفاهمات الدبلوماسية بين البلدين وعلى تقدير الموقف الأمني من الجانب العراقي».

تحولات في الاستراتيجية الأميركية

الإعلامي والمحلل السياسي خالد الوادي يقرأ الخطوة من منظور أوسع، معتبرًا أن «الانسحاب الأميركي من العراق يمكن اعتباره جزءًا من تحول أوسع في الاستراتيجية الأميركية، ليس تجاه العراق فحسب بل تجاه المنطقة بأكملها. الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل كلفة الانتشار العسكري الطويل في الشرق الأوسط، خاصة في ظل أزماتها الداخلية الاقتصادية والسياسية». ويضيف الوادي «هذه الخطوة تكشف أن واشنطن في أضعف حالاتها منذ سنوات، حيث باتت تعطي الأولوية لمواجهة تحديات داخلية وضغوط خارجية في مناطق أخرى مثل شرق آسيا وأوروبا الشرقية».

ويؤكد أن الانسحاب ستكون له تداعيات مباشرة على موازين القوى في المنطقة، موضحًا أن «إيران ستجد نفسها أكثر قدرة على توسيع نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي، مستفيدة من تراجع الدور الأميركي. في الوقت نفسه، ستسعى تركيا إلى تعزيز حضورها عبر البوابة الأمنية والاقتصادية، اعتمادًا على موقعها الجغرافي ومصالحها في شمال العراق».

ويرى أن هذه التطورات «تفتح الباب أمام بروز تحالفات جديدة، قد تضع ملامح نظام إقليمي مختلف يكون لإيران فيه اليد الطولى». أما داخليًا، فيؤكد أن «انعكاسات الانسحاب ستظهر في إعادة ترتيب الأوراق السياسية والأمنية، خاصة مع تصاعد الجدل حول طبيعة الدور الأميركي المتبقي في العراق».

الاجراءات تسير وفق مخطط مسبق

بينما أكد المتحدث الرسمي عن الحكومة العراقية باسم العوادي..» أن ما يجري في العراق ليس انسحابًا مفاجئًا للقوات الأميركية، بل هو جزء من الاتفاق المعلن منذ العام الماضي على خلفية اجتماعات اللجنة العسكرية العليا المشتركة، التي شُكِّلت لترتيب إنهاء مهمة التحالف الدولي»  وقد جرى الإعلان مرارًا وتكرارًا أن الدفعات الأولى من إنهاء المهمة ستبدأ في سبتمبر/أيلول 2025، وكل الإجراءات تسير وفق ما هو مخطط لها مسبقًا.

وأوضح العوادي أن الحكومة العراقية على اطلاع كامل بكافة التفاصيل، وأن التحركات تتم بشكل منسق وخطوة بخطوة بين بغداد وقوات التحالف الدولي. وأضافت أن عملية خروج القوات والمعدات لا يمكن أن تتم إلا بعلم وموافقة الحكومة العراقية، مما يعكس الطابع المنظم والتعاوني لهذه المرحلة.

رؤية الجانب الاميركي

ونقلت مصادر صحفية، في سبتمبر(ايلول) من العام الماضي 2024، أن واشنطن وبغداد توصلتا إلى تفاهم بشأن خطة لانسحاب قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق. وأوضحت المصادر أن الخطة تنص على خروج مئات من قوات التحالف بحلول سبتمبر(أيلول) عام 2025، والبقية بحلول نهاية العام التالي.

ومن الجانب الآخر، حرصت الولايات المتحدة على توضيح أن ما جرى لا يُعد انسحابًا كاملًا، بل انتقالًا مدروسًا نحو شراكة أمنية ثنائية. فقد نقلت وكالة عن مسؤول أميركي بارز قوله» هذا ليس انسحابًا إنه تحوّل من مهمة عسكرية تحالفية إلى علاقة أمنية ثنائية موسّعة بين الولايات المتحدة والعراق

الانسحاب الأميركي الأخير من بعض القواعد في العراق لم يكن نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة معقدة ومتشابكة.

وبين من يراه مكسبًا وطنيًا طال انتظاره، ومن يحذّر من تداعياته الأمنية والإقليمية، يبقى التحدي الأكبر أمام العراق هو استثمار اللحظة التاريخية لبناء دولة قوية قادرة على حماية سيادتها واستقرارها، بعيدًا عن التجاذبات والصراعات الدولية.

 

 


مشاهدات 89
الكاتب شذى العاملي
أضيف 2025/09/09 - 2:54 PM
آخر تحديث 2025/09/10 - 1:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 431 الشهر 6990 الكلي 11424863
الوقت الآن
الأربعاء 2025/9/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير