كلام الإقاليم.. بين المظلوم والظالم
فاتح عبدالسلام
طوال سنوات عديدة حارب “الضالعون” في حكم العراق فكرة الاقاليم التي أقرها دستورهم الدائم، ولم يجيزوها إلا للإقليم الكردي بحسب ظرف قيام العهد الجديد2003، والذي ظلت العلاقة الإجرائية معه في مد وجزر، ولا يمكن اعتبارها طبيعية إلا من باب التوافقات السياسية الاضطرارية.
أما دعوات الإقليم السّني التي دفع باتجاهها سياسيون عاملون في المشهد السياسي لفائدتهم الاستحواذية وليست الدستورية، فكانت تواجه رفضاً قاطعاً تحت أغطية سياسية وقانونية، بما لا يتيح للفكرة أن تعيش يوماً واحداً بعد اطلاقها.
لكن لغة الخطاب السياسي فضلاً عن التسريبات عبر سياسيي الصفين الثاني والثالث راحت في الأسابيع القليلة الأخيرة تصب للترويج لفكرة الإقليم الشيعي بين عرض خجول ودعوة صريحة ومناوشات كلامية ناعمة. هذا التحول يمكن ربطه مع التطورات في المشهد السوري، بعد ان علت أصوات بعض الأقليات في جبل العرب او الساحل للانفصال في دول على الأرض السورية كما يريدها غلاة العلويين من بقايا اجهزة بشار الاسد، أو للالتحاق بإسرائيل وتحت رعايتها كما نادى قسم من طائفة الموحدين الدروز.
في العراق، المسألة لن تشبه ما يدور في سوريا، بالرغم من تزامن التوقيتات، ذلك انّ دعاة أو مروجي الذهاب الى الإقليم الشيعي هم الحكّام و بيدهم السلطة، ومن ثم هناك معنى من معاني التراجع من “حكم الكل” الى “حكم الجزء”، برؤية انفصالية تحت عنوان توحيدي للعراق، وهو شكلي لا محالة. ذلك انّ الأطراف غير الحاكمة حين تنادي بالإقليم تنطلق من «مظلومية» تشعر بها، فما حجة مَن يحكم حين يروج للإقليم الغني المنعزل. والحجج المُساقة هنا هي ان الثروات النفطية مركزة في الجنوب بما يغمز من قناة المستفيدين منها في بقية أجزاء العراق. في حين انّ الدلالة السياسية الأعمق تشير الى اعتراف ضمني بالفشل في حكم البلاد موحداً بثرواته وتكويناته والهروب الى أمام، في اطار التمهيد لصفحة ما قبل حدوث تغييرات دراماتيكية غير متوقعة استنادا الى الهواجس المحيطة بالرمال المتحركة التي تقف عليها دول في الشرق الأوسط.
ما يدور في العراق هو مجرد أبخرة لحيرة سياسيين بالمصير الذي آلوا اليه، وآلت اليه البلاد معهم، في ظل تركة ثقيلة تستعد اية حكومة مقبلة لتحملها، فقد بقيت الملفات المتراكمة الخاصة ببناء البلد واستقراره وسيادته وثرواته وأمنه وفكرة المواطنة فيه، من دون علاجات دائمة تنسجم مع مضامين الدستور الدائم.