الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التنمية‭..‬أولاً

بواسطة azzaman

التنمية‭..‬أولاً

محمد زكي ابراهيم

 

‭ ‬إن‭ ‬تضخم‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يلامس‭ ‬الخمسين‭ ‬مليوناً،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنهم‭ ‬باتوا‭ ‬كتلة‭ ‬بشرية‭ ‬هائلة،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬رقم‭ ‬صعب،‭ ‬فالكثرة‭ ‬لوحدها‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬القوة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الكثرة‭ ‬قد‭ ‬تصبح‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تصحبها‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية،‭ ‬فالثروات‭ ‬التي‭ ‬بأيديهم‭ ‬الآن‭ ‬غير‭ ‬مضمونة‭ ‬تماماً،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬نضبت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله‭ ‬–‭ ‬فستتراجع‭ ‬أعدادهم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬عقود،‭ ‬ويخسرون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحلمون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬وتشكيل‭ ‬الأحزاب،‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬فالفئة‭ ‬التي‭ ‬تروم‭ ‬وضع‭ ‬برامجها‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬إلا‭ ‬بإزاحة‭ ‬فئة‭ ‬أخرى،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عمن‭ ‬تكون،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬تتحالف‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وتقدم‭ ‬التنازلات‭ ‬تلو‭ ‬التنازلات،‭ ‬ولا‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬شيئاً‭. ‬

‭ ‬ولو‭ ‬أنصف‭ ‬هؤلاء‭ ‬لعرفوا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفعلونه‭ ‬عرض‭ ‬زائل،‭ ‬فالسبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬للتقدم‭ ‬هو‭ ‬التنمية،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بديلاً‭ ‬عنها،‭ ‬وهي‭ ‬لحسن‭ ‬الحظ‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النظريات،‭ ‬والأفكار،‭ ‬والمناصب،‭ ‬والزعامات‭ ‬السياسية،‭ ‬لأنها‭ ‬عملية‭ ‬محايدة،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬تتصالح‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬وتمد‭ ‬الجسور‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬تشاء،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬حرج‭ ‬أو‭ ‬معاناة،‭ ‬لكنها‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬النفوذ‭ ‬والهيمنة‭. ‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬سلوك‭ ‬طريق‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬المتاعب،‭ ‬ولا‭ ‬يقود‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬الخراب،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬منطقية،‭ ‬وقد‭ ‬جربت‭ ‬شعوب‭ ‬كثيرة‭ ‬الانجرار‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوهم،‭ ‬ولم‭ ‬تجن‭ ‬منه‭ ‬شيئاً،‭ ‬فالسياسة‭ ‬لوحدها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬أحوال‭ ‬الناس،‭ ‬أو‭ ‬تحسين‭ ‬ظروفهم‭ ‬الحياتية،‭ ‬وغاية‭ ‬ما‭ ‬هنالك‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬العقيدة‭ ‬السياسية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬بالبلاد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬لآخر‭ ‬أفضل‭ ‬منه،‭ ‬أي‭ ‬خوض‭ ‬تجربة‭ ‬قد‭ ‬تنجح‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يحالفها‭ ‬التوفيق‭ ‬أبداً،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬السياسة‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬فن‭ ‬إدارة‭ ‬السلطة‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬قاد‭ ‬العقل‭ ‬دولاً‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الصدارة،‭ ‬وجعلها‭ ‬تمتلك‭ ‬قوة‭ ‬التأثير،‭ ‬لكن‭ ‬التفكير‭ ‬المجرد‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬لوحده‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة،‭ ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ‬إلا‭ ‬بالعلم‭ ‬والتقنية،‭ ‬والعمل‭ ‬الدؤوب،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭. ‬

‭ ‬وفي‭ ‬عملية‭ ‬تنمية‭ ‬منظمة‭ ‬تتطور‭ ‬المهن‭ ‬باستمرار،‭ ‬ولا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حال‭ ‬أبداً،‭ ‬ويقوم‭ ‬الصناع‭ ‬والعمال‭ ‬والفنيون‭ ‬بإضافات‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين،‭ ‬لأن‭ ‬الحاجة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬عليهم‭ ‬الابتكار،‭ ‬وبتعبير‭ ‬أدق‭ ‬فإن‭ ‬قوانين‭ ‬السوق‭ ‬تحتم‭ ‬عليهم‭ ‬البحث‭ ‬الدائب‭ ‬عن‭ ‬الأفضل،‭ ‬فالشركات‭ ‬المنتجة‭ ‬للسلع‭ ‬مثلاً،‭ ‬تطور‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬عامين‭ ‬نسخاً‭ ‬جديدة،‭ ‬وتضيف‭ ‬تقنيات‭ ‬بسيطة،‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التفوق،‭ ‬أو‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬المشاكل،‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬زبائن‭ ‬جدد،‭ ‬ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬هذا‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬ما،‭ ‬بل‭ ‬يستمر‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭. ‬

‭ ‬إن‭ ‬التنمية‭ ‬تتيح‭ ‬للصناعة‭ ‬أو‭ ‬الزراعة‭ ‬أو‭ ‬الخدمات‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬باستمرار،‭ ‬وتوفر‭ ‬الجهد‭ ‬والمال،‭ ‬وتعطي‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الرفاهية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وكل‭ ‬إضافة‭ ‬صغيرة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬كبيرة،‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬تأتي‭ ‬عبر‭ ‬الدرس،‭ ‬والتفكير،‭ ‬والتجربة،‭ ‬وتتيح‭ ‬للبلاد‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬وتتغير،‭ ‬ولا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حال‭. ‬

‭ ‬هل‭ ‬تدرك‭ ‬النخبة‭ ‬لدينا‭ ‬أن‭ ‬الأولوية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للتنمية،‭ ‬والمبادرات‭ ‬الفردية،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الحر،‭ ‬لأنها‭ ‬السبيل‭ ‬الأمثل‭ ‬للتقدم،‭ ‬والطريق‭ ‬الأقرب‭ ‬للسلطة؟‭  ‬وهل‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬الحقيقيين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬هم‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬الناجحون،‭ ‬وماعداهم‭ ‬ليسوا‭ ‬سوى‭ ‬أدوات‭ ‬وتابعين،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬أنها‭ ‬أضاعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬السابقة،‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬جدوى،‭ ‬وعليها‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تصحح‭ ‬موقفها‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.   ‬


مشاهدات 60
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/03/14 - 11:37 PM
آخر تحديث 2025/03/17 - 12:35 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 288 الشهر 8632 الكلي 10569581
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير