هل يصمد الناتو بدون أوربا
ضرغام الدباغ
من الاحتمالات المطروحة للنقاش، هو تصدع الناتو وأن يتشظى إلى عدة كتل، وفي ختام الامر سوف لن يتمكن الأوربيون من حماية القارة بوجه روسيا. لذلك فسوف يضطرون إلى مناشدة الولايات المتحدة أن تتكرم بقيادتهم للصمود في قارتهم.
في أوربا (حتى من بين كبار المسؤولين)هناك من يعتقد أن هدف الولايات المتحدة هو تدمير الاتحاد الأوربي، ولكن الأمريكيون يعتقدون أن الأوربيون في الواقع يعملون منذ عام 1945 (نهاية الحرب العالمية الثانية) وحتى الآن على استغفال الولايات المتحدة، على كل الأصعدة التي تعاملوا فيها، تعامل اشتكى منها جميع الرؤساء الأمريكان المهذبون منهم، والأقل تهذيباً ...!
الأوربيون يعرضون، أن الدفاع عن أوربا هي عماد القيادة الغربية للعالم، والولايات المتحدة هي القائد الحقيقي للعالم الغربي، نعم هذه نوافق عليها، وهيمنة العالم الغربي السياسية والاقتصادية والعسكرية هي التي حمت أوربا الغربية، ترد أميركا، أنتم تريدون التمتع بمزايا الهيمنة دون أن تدفعوا ما يستحق هذه المكانة، تتحملها الولايات المتحدة، والتي تتراكم متاعبها الاقتصادية والسياسية والعسكرية داخليا وخارجياً، وهذا ليس بعدل. نبهناكم عليه طوال عشرات السنين، ولكن دون أن تصحيح في المسار. كما حذر وزير الدفاع الأمريكي شباط / 2025 أوروبا من التعامل مع الولايات المتحدة على أنها "ساذجة" عبر جعلها مسؤولة عن الدفاع عنها. نعم هناك تصور في أوربا، أن الامريكان " سذج ".
ما هي الملفات التي يختلف بها الأوربيون مع الأمريكان (بأختصار)
أولاً ــ الناتو استحقاقاته :
يفرض الناتو (والذي تمثل أمريكا قاعدته القوية) في اجتماعاته نسبة معينة من الدخل القومي لكل دولة تنفقها على الدفاع،(2,5%)، الولايات المتحدة تنفق أكثر من ذلك (3% على الأقل)، لبقاء جيشها بمستوى التحديات في جميع أرجاء العالم، القادر على التدخل في أي لحظة، في أي نقطة في العالم، فيما تستفيد دول أخرى في الناتو من قوة الناتو والغرب عموماً، ولكن لا تدفع مستحقاتها، بل تدفع أقل من ذلك بكثير(1,5%) وهنا 1 % أو 1,5% يمثل مبلغاً كبيراً لدول يبلغ دخلها القومي أكثر من ترليون دولار(كألمانيا 3,730، وفرنسا2.806، وإيطاليا2,150، وهولندة أقل من ترليون بقليل ــ احصاءات 2016)، وهذا الحال يتواصل منذ سنين، وبالتالي فهذه الدول (مدينة للناتو) الذي تتحمل أعباؤه الولايات المتحدة. وهذا ما تجده الولايات المتحدة ظلماً، وليس لدى الأوربيين حجة مقنعة حيال الأمريكيين، فهم يخشون التمدد الروسي في شرق أوربا، بل أن هناك كيانات تخشى على وجودها، ويرغبون بالتدخل هنا وهناك وفي النهاية هي مصالح غربية، ويعولون على الأمريكان، ويحصدون نتائج قوة الغرب، ولكن الأوربيون لا يريدون تحمل نفقاته، وهذا ما يقوله لهم الرئيس ترامب، بعبارات غير مألوفة في السابق، وإن لم تكن جديدة، الأوربي، البريطاني والفرنسي والألماني يسرق بلطف وأدب وأناقة (ليس دائماً)، الأمريكي عملي يقولها بصراحة ولا ضرورة للأدب في السرقة والنهب : (Your Mony or your life)، بل ويسنون قوانيناً ينهبون فيه الأمم، وهكذا يقولها الرئيس ترامب (بصراحة: يكفي) (no more . Enough ) يجدها البعض (وقاحة) مع العلم أن الأمر كنتيجة يدور هكذا منذ أكثر من قرن، منذ عهد الاستعمار.
ثانياً ــ الاتفاقيات التجارية
فقرة أساسية تطرحها الحكومة الأمريكية، وهي تعديل الميزان التجاري الذي يميل بدرجة خطيرة لصالح ألمانيا تحديداً. وبحسب احصاءات فإن ألمانيا تصدر إلى أميركا ضعف ما تستورده منها. فقد صدرت ألمانيا ما قيمته 107 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، وتشكل السوق الأمريكية 10% من إنتاج الشركات الألمانية وفي المقدمة منها صناعة السيارات. وإذا تحقق ما يطلقه الرئيس ترامب من وعيد، فإن 1.6 مليون فرصة عمل ستضيع وهذه لوحدها كارثة لا حل لها. وترامب يعرف كيف يمسك الأوربيين من العصب الذي يوجعهم ..!
ثالثاُ ــ اتفاقية المناخ
الإساءة للمناخ مارسها الجميع، فجروا ألاف القنابل الذرية علي الأرض وباطن الأرض والبحار، وفعلوا كل شيئ، لكن الأمر الآن أصبح جدياًـ وخطراً، وهناك تقديرات بأرتفاع سطح البحر، بحيث تطغي المياه على أراضي كثير من الدول وتغمر مساحات كبيرة، وربما تختفي مدن كاملة، ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً يتحدثون عن البيئة النظيفة، ولكن لا أحد يلتزم تماماً، ربما هناك بعض الالتزام، ولكن بدرجة غير كافية، لذلك التدهور متواصل دون توقف، ربما بوتائر أبطأ.، ولكن دون أن ينهي خطورة الموقف
رابعاً ــ عدم ثقة متبادل :
تخلق هذه المفردات حالة من عدم الثقة، وفي الواقع أن الثقة لم تكن يوماً موجودة بصفة مطلقة، والعلاقات الفرنسية / الألمانية تعيش ربيع مزدهر منذ أن وقعت المانيا وفرنسا اتفاقيات للعمل الاستراتيجي، وطي صفحة الماضي، وخلق كتلة أوربية قوية بوسعها أن تواجه التحديات العديدة، ومع ذلك، عارض الرئيس الفرنسي ميتران الوحدة الألمانية 1990 بشدة غريبة، أما مارغريت تاتشر، فقد ناضلت بعناد ضد الوحدة، ولولا ريغان وموقفه المؤيد للوحدة، لربما كانت الأمور في مسار آخر. إذن الثقة ليست أمراً نهائياً، وقبل بضعة أعوام كادت الشراكة بين ألمانيا وفرنسا أن تفض بسبب الحصص في الشركة الصانعة للطائرات أيرباص.
واشنطن تحذر أن الوجود العسكري الأميركي في القارة " لن يدوم إلى الأبد"
تخيم مسألة الحضور العسكري الأميركي في أوروبا على مؤتمر ميونيخ للأمن، (شباط / 2025)، والذي يحضره نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس.وحدد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث المسار، عندما حذر بلدان حلف شمال الأطلسي "ناتو" في أوروبا من افتراض أن الوجود العسكري الأميركي في القارة " سيدوم إلى الأبد " أثناء زيارة إلى وارسو. لكنه قال، في بروكسل، الخميس، إنه لم يجرِ بعد اتخاذ قرار بشأن أعداد الجنود.
ووفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، ينتشر نحو 100 ألف جندي أميركي في أوروبا. ويتركز أكثر من 65 ألفاً منهم بشكل دائم في القارة، بينما البقية موظفون متناوبون وضمن تعزيزات. وارتفعت أعدادهم بنحو 20 ألف جندي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير (شباط) 2022، وفق وزارة الدفاع الأميركية. ويرجح أن أي انسحاب أميركي سيشمل هذه القوات الإضافية التي أُرسلت بعد عام 2022، وفق دبلوماسي في حلف شمال الأطلسي.
أعداد الجنود
ينتشر نحو 65 ألفاً و600 جندي أميركي في أوروبا، باستثناء قوات الحرس الوطني والموظفين المدنيين العاملين لصالح وزارة الدفاع الأميركية، وفق بيانات رسمية تعود إلى أبريل (نيسان) 2024. وهم منتشرون في عدة بلدان أوروبية. وفيما يلي أهمها:
أعداد القواعد
ووفق وزارة الدفاع الأميركية، تستضيف أوروبا 37 قاعدة أميركية، بما في ذلك مقر قوى حلفاء «الناتو»، المعروف باسم "القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا (SHAPE)" في مونس ببلجيكا. وفيما يلي الدول التي تؤوي أكبر عدد من القواعد الأميركية:
ألمانيا: 13 / إيطاليا: 7 / بلجيكا: 3 / تركيا: 2 / هولندا: 2 / إسبانيا: 2
هل تستطيع أوروبا الصمود دون الدعم الامريكي
أشارت دراسة أعدها معهد بروجل للأبحاث ومقره بروكسل ومعهد كيل للاقتصاد العالمي ومقره مدينة كيل الألمانية (21/ شباط / 2025)أنه في حالة نشوب صراع ضد روسيا، وبدون مساعدة من الولايات المتحدة، فسوف يتعين على أوروبا أن تستثمر نحو 250 مليار يورو سنوياً لحشد 300 ألف جندي. وهو مبلغ يمكن نظريا للدول الأوربية أن تحتمله، ولكن من المشكوك أن يكون هذا الرقم كافيا لأعباء الدفاع عن أوربا، إذا ألتهمت الحرب الأوكرانية أكثر من هذا المبلغ، تحملت معظمه الولايات المتحدة 350 مليار دولار.
وكانت الدول الأوربية الرئيسية قد تعرضت الدول الأوروبية لضغوط متزايدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتعزيز قدراتها العسكرية كما حذر وزير الدفاع الأمريكي الأسبوع الماضي أوروبا من التعامل مع الولايات المتحدة على أنها "ساذجة" عبر جعلها مسؤولة عن الدفاع عنها. وأشارت الدراسة التي أعدها معهد بروجل للأبحاث ومقره بروكسل(brogel institut belgium) ومعهد كيل (Kiel Institut für Weltwirtschaft) للاقتصاد العالمي إلى أن ذلك الإنفاق الذي يعادل 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي سيسمح لأوروبا بإعداد نحو 300 ألف جندي للدفاع عن نفسها ضد روسيا.
ناهيك أن الجيوش الأوربية بحاجة للمزيد من التنسيق على نحو أفضل وأجراء عمليات تسليح مشتركة، مشيرة إلى أن تنسيق الأمور الدفاعية بين جيوش التكتل لا يزال يمثل تحدياً كبيراً رغم القدرات المالية لأوروبا. واقترحت الدراسة زيادة الإنفاق الدفاعي في أوروبا إلى ما يعادل 4% بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً (أميركا تطالب ب 5% على الأقل، في ظروف اعتيادية)، من 2% حالياً. وأوضحت أن نصف المبلغ يمكن تمويله عبر ديون أوروبية مشتركة واستخدامه في مشتريات جماعية، كما يمكن تخصيص النصف الآخر عبر ميزانيات الدول.
وقال مؤلف المشارك في الدراسة في بيان قال فيه: "من الناحية الاقتصادية، هذا أمر يمكن القيام به... وهو أقل بكثير مما كان يتعين جمعه للتغلب على أزمة جائحة كوفيد على سبيل المثال".
ونرجح أن يصعب الاتفاق على أرقام تتولى دول الاتحاد الأوربي تدبيرها، فهناك دول تعاني من متاعب مالية، وأخرى لظروفها السياسية الداخلية، وهناك من سيشكك باهداف الناتو السياسية. وحتى دول مقتدرة سترى من الصعوبة جمع هذا المبلغ (250 مليار دولار) وستتحمل الدول الكبيرة(ألمانيا، فرنسا، السويد، إيطاليا)، وفي حال حدوث ما يستحق مضاعفة المبلغ، سيحص عجز مالي، وهو ما سيعرض الناتو والموقف السياسي إلى مخاطر.