فاتح عبد السلام
هناك مسائل فنية، وأخرى خارجية متصلة بدولة عبور النفط العراقي، وما عدا ذلك، كان هناك تأخير واضح في تصدير النفط من إقليم كردستان من خلال بطء في القرار السياسي ببغداد في الاستجابة لمتغيرات دولية عاصفة تجعل الازمات الصغيرة والداخلية قابلة للتفاقم والانعكاس الخارجي بسرعة كبيرة، ولولا الضغط الأمريكي ، وتوجهات الرئيس ترامب في التعامل مع العراق في ملف عقوبات شبيه لما تخضع له ايران، لما كانت هذه السرعة لحسم مسألة تصدير النفط.
ليس اليوم، اذ قلناها في أكثر فترات التقارب بين بغداد وأربيل، في إنّ معالجات الازمات الكبيرة والخاصة بالتفاهمات على الثروات المعدنية والعلاقات الخارجية لا يمكن ان تبقى رهن زيارات “ناجحة” الى حد موقت يقوم بها رئيس الإقليم ويعمل على تخفيض منسوب التصعيد في بغداد، في أجواء تبدو انها تخضع لصفقات ناعمة تسمح بعبور عثرة هنا أو هناك. لكن ذلك وضع شاذ لن يدوم طويلا ، ولن يقي من انهيارات مفاجئة في العلاقات بين بغداد والاقليم ، عند أي منعطف سياسي او إقليمي، والأسباب كثيرة، فقد كانت تراوح عند ضعف الثقة المتبادلة والتأثير الإيراني في السياسات وتوجهات سياسيين في البلد، وانتقلت الى عُقَد مستعصية في تفسير الدستور الذي يكاد بالقياس الى أعمار دساتير العالم لم ينشف حبره، فمفهوم الفيدرالية ملتبس في التفسيرات، وانّ هناك جهات ذات سلطات قضائية وسياسية ترى انها تمتلك ما يجعلها قادرة على لجم أية سياقات “دستورية” تخرج من دائرة السيطرة المركزية بالرغم من أنّ النظام الرسمي الدستوري هو اتحادي فيدرالي.
كما انّ جمود العملية السياسية، والنكسات الكثيرة التي انتابتها في خلال عقدين، وبعضها منعطفات دموية وتاريخية، ينعكس حتماً على صحة اية علاقة بين طرفين أساسيين في البلاد.
لقد تشكّلت حكومات عراقية كثيرة ولا نزال نشهد آخرها اليوم، وليس هناك من اثر لوزير اتحادي في إقامة جسور علاقات بنائية لوطن واحد يشترك فيه العرب والكرد وبقية المكونات، باستثناء التنسيق في الامن والدفاع والقضاء وفي فترات محددة ومناسبات واجبة. امّا على الصعيد الوطني فلا تزال النظرة قاصرة وأحادية واقصائية من وزراء في بغداد للإقليم الكردي وفعالياته ووجوده الإنساني والنخبوي، فوزير الثقافة والآثار والسياحة في بغداد مثلاً يصطحب وفدا لتمثيل الثقافة العراقية في أسبوع في هذه الدولة او تلك من دون ان يفكر بأنّ هناك شعراء كردا مثلما هناك شعراء عرب، وكذلك في الفن والتراث، فضلا عن جوانب أخرى في الاثار والسياحة. كما أنّ الثقافة التركمانية بالعراق التي راعتها الأنظمة السابقة في حدود معينة نجد ها تكاد تكون خارج التصنيف الوطني في الاهتمام في النظام العراقي الجديد بكل حكوماته.
في الجانب الآخر، تعتمد سياسة الإقليم على خبرات عدد محدود في أصحاب التجارب في توثيق الصلة مع بغداد، وهناك نقص اعلامي نوعي مع فيض الأجهزة الإعلامية بالاقليم.
هناك تخلّف وقصور وعُقَد تعوق انتاج المفاهيم الوطنية، وليس هناك أي نقص في الموارد والإمكانات والثروات أبداً، لذلك لا تبدو الصفحات المستقبلية واضحة او حتى مشرقة.