الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دلالة الخيمة في الشعر الفلسطيني


دلالة الخيمة في الشعر الفلسطيني

علي إبراهيم

 

في  قراءة سابقةعن غزة في الأدب الفلسطيني في السرد  قصّة الخيمة  للقاص الفلسطيني محمّد أيوب أراد منها ان يثبت عدم مقدرة بطل القصة من الحصول على  خيمة تأويه، واطفاله قبل سبعة عقود، وقد اخذ التَّعب منه، وحاول القاص ان يصور حجم المعاناة من النزوح بين هندسة البيت الذي تركه، إلى الخيمة سكناً له.

وإذا تتبعنا الخيمة في الشعر الفلسطيني كشاهد إثبات لما وصل إليه النازح تحت ظِلّ الإحتلال الصهيوني نجد إن موضوعة الخيمة  بعد  إكتوبر 2023 قد مثّلت اهميّة عند أهل  غزة يتركون بيوتهم  بأوامر مستعجلة من العدو لينسفوا بعدها البيوت وبفعل هلوسة الحرب فتصبح الخيمة ملاذاً للنازحين يحملوا خيمتهم لمكان آخر  بعد مسير ومسير ومشقّةوعذاب تحفظهم قدر المستطاع من الأمطار المتواصلة، وحرّ الشمس اللاهبة. وقد تفاوتت صور شعراء الأرض المحتلة فالشاعر كمال ناصر في قصيدتهِ /الخيمة/ يصف كيف ساعدت الخيمة النازحين في ترحالهم وصفاً يُعبّر عن عمق المآساة. يقول.

مذعورة في رحاب المكان

 مصلوبة منسيّة في الزمانِ

حيرى على اوهامها في المدى

لا حُبُّ في سمائها لا حنانِ

مشدودة في الأرض معصوبة

 كإنّما شُدّت بأيدي الهوان

هذه الخيمة في نظر الشاعر حملت صفات مفجعة من الذعر.. والصلب فلا مكان يلغيها، ولا زمان ينسيها، وهي تعيش القلق بين الحيرة من وهم بقائها ملازمة للنازح حبها فارغ من العطف ، ويشبّه الشاعر في البيت الثالث حال الخيمة بين الشدّ والتعصيب لا تدرك شيئاً، وبين من أراد لها الذل والهوان  صفة ملازمة للنازح كما حصل في إكتوبر طوفان الأقصى.او يدخل الشاعر كمال ناصربصورة لا تخرج عن البؤس الشديدالذي يغلب الابتسام، و وهي بصيغة فعل الأمر/ وارقصي، و موجي، وتعرّي، وظِلي./ كشاهد للمستقبل الغامض  للفلسطيني، وهي اشبه المأتم الذي لاينتهي مثل حساب الدهر شاهدٍ  للتأريخ لكلّ من قرر ضياع فلسطين تحت مخالب العدو وبعد انتهاء اسلوب الطلب اشبه بالحلم، يستخدم الشاعر الجملةالاسمية عن لون الحياة التي عاشها كلّ فلسطيني، ويقرن ذلك بفلسفة عن غاية الوجود اشبه بالوهم أمام تجبّر العدو وتكبّره /الشعر الفلسطيني الحديث/خالد علي مصطفى ص87، 88/

وارقصي بالجياع في مأتم الدهر.. وموجي بالبؤس والابتسامِ

وتعرّي على الوجوه وظِليّ

وصمة في جبين كلّ همامِ

فالرداء البالي الذي نرتديهِ

 بعض ما في الوجود من اوهامِ

امّا الشاعر معين بسيسو، فقد احسّ بمأزق الفلسطيني صاحب الأرض  والهوية  يعيش التشرّد لا تأويه الخيمة.

لم يترك السّيل  غير الحبل والوتد

 من ذلك الشعب او من ذلك البلد

هنا حطام، هنا موت، هنا غرق

 هنا  بقايا رغيف عالق بيدِ

تلك البقية من شعبي ومن بلدي

 ما بين باكٍ ومجنون  ومرتعدِ

إن جئت تسأل عن أطفالها صرخت

وقهقهة السّيل لم تحبل ولم تلدِ

في الأبيات لم تكن  إشارة الشاعر عن فرح وبهجة بل عن أحداث مؤلمة من حطام، وموت متكرر لضعف بقاء الإنسان حيّاً، او بفعل الغرق بعدما طارده المحتل وهذه كلّها مرحلة تغييب عن الحياة ويستعير الشاعر عن رغيف الخبر من المتبقي منه عن رغبته في العيش، وهو إن عاش فليس له غير صفات البكاء والجنون والخوف، وهذه الصفات تنسحب على حالة الاضطراب الملازم للفلسطيني المشرّد. وفي البيت طباق سلبي بين الصرخة والقهقهة، وأرض فلسطين كثيرة السؤال عن أطفالها رصيد المستقبل، والذي يحاول الأعداء الصهاينة القضاء عليهم كلهم بالقتل، والتهجير، والسيل كناية عن الهدم، والقضاء على البشر، والنبات، والضرع.

ويذكر الشاعر خالد علي مصطفى مؤلف كتاب /الشعر الفلسطيني الحديث/   عن  الخيام ص٩٦”” وقد كثرت  في الخمسينيات مثل هذه الأعمال من الفداء الفردي لتجسّد التململ والتحفّز داخل الخيام.»»

ويستمر شريط الخيمة والخيام واسم المكان المخيّم عند شعراء فلسطين فنجد الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي يضخّم من هيأة الخيام وشكلها، فهي في نظرة اشبه  بالحجر الثابت، باوتاد من مرمر لا يتزحزح

صورة من الطبيعة بين النقوش، وتزيين الجدران  بالورق الملوّنِ، وهذه كلّها مرتبطة بتعويذه عن الحسود وقد يكون غريب الأرض التأريخ يحمل صفة الحسد.يقول مريد البرغوثي.

خيام خيام/من الحجرِ المستريح/واوتادُها  مرمرُ او رخام/نقوش على السقف/ والورق المحمّلُ يُغطّي الحوائط/ والصورة العاديّة والجيوكاندا/ تحاذي حجاباً لردّ الحسودِ. / ديوان العرب، ميسون جمال/

وكذلك  الشاعر عبد اللطيف عقل الذي يصف بصورة دقيقة حالة التحرّك في المكان المخيّم، بين الطباق السلبي 

 بين كل مقارنةصورة الام وابنها ضداّن في الحياة حينما يكبر، ويتذكّر المآساة، والمقارنة في الرمز بين لون اللحم والفحم بقايا حرب متكررة؛ مقاربة الزيت بالموت دلالة على خير حالة السيلان سيل الدم والزيت، وحالة السلم فوق الأرض  والقبو رمز الاختباء من الحرب تحت الارض. يقول الشاعر:/ينام المخيّم/ لا وقت للنوم لا وقت للنوم/ تختلط الامُّ بالطفل واللحم بالفحم/والزيت بالموت والصحو بالقبو/ديوان العرب ميسون جاسم.

وتختتم الشاعرة فدوى طوقان ذكرها المخيّم هو بفعل  يقين عن أثر لازم مكان النازح يحمل من شقاوة الحياة  بفعل تكرار النزوح، وهو يسدل الستار عن الألم الكبير، وهو بعد ذلك تخيّل  بفلسفة اللاشيء عن محالة استقرار النازح  في مكانه وتصدر الأبيات عن الشاعرة  بصورة اليأس الذي مرّ كثيراً عليها. تقول :/واراك مابين الخيام  قبعت  تمثالاً شقيّا/متهالكاً يطوي وراء هموده الماً عتيّاً/يرنو إلى اللاشيء منسرحاً مع الافق البعيد/ ديوان فدوى  طوقان.

وإذا كان الشعر اكثر تعبيراً عن الاحساس والعاطفة، فإنّ هذه النصوص بعنوان الخيمة والمخيّم قد اختلفت  في دلالتها الشعرية بين الرفض، والوصف، واليأس؛ وصدرت عن شعراء عايشوا المكان والزمان ونفثوا ما في جوفهم  من حسرات، وصورّوا كلٍ الذكريات المريرة عن اللاجىء والنازح الفلسطيني. وامّا الخيمة في السرد قد  تكون لقطة للقاص  يجعل منها ثيمة مرتبطة بالفلسطيني الذي عاش المحنة ومن  ذلك  وقفتنا مع قصة الخيمة. وقد نجد صورة الخيمة والخيام في الرواية وسوف نقف عندها عملاً ادبيّاً عن  الأرض، وعن الفلسطيني اللاجىء والنازح.


مشاهدات 52
الكاتب علي إبراهيم
أضيف 2025/02/22 - 12:06 AM
آخر تحديث 2025/02/22 - 7:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 319 الشهر 11955 الكلي 10407326
الوقت الآن
السبت 2025/2/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير