فاتح عبد السلام
الفساد في العراق منظومة لها ارتباطات سياسية وأمنية. ليس بأشخاص رسميين بالضرورة لكن بحالة عامة تسمح بوجود أغطية للفساد. والفساد بهذا المعنى هي نوع “مليشياوي” غير قابل للرصد والامساك والحساب، نافذ في جميع الهياكل. و لايعني هذا الكلام انَّ منظومة الفساد المليشياوية في بنيانها لا تضم وزراء أو نواباً أو مسؤولين من الصف الثاني، ذلك انّ قافلة الفساد تمضي منذ عقدين بعنف الى أمام فيما البلد يتراجع أضعافاً مضاعفة. وانّ عناوين الفساد تتلبس ثياباً مزركشة وأحياناً رسمية وشرعية ومقدسة لذلك بات من المتعذر كشفها أو تعقبها أو محاسبتها، فضلاً عن هذا المشهد الواسع والمرعب من الفاسدين يجعل اية جهة، فيما لو قررت المحاسبة، أصغر من ان تلاحق حيتاناً وتماسيح وديناصورات، مع اعتذاري لهذه الحيوانات الرائعة.
في ضوء ذلك، أرى انّ بعض الدعوات الجديدة و الخجولة المطالبة بحل المليشيات المتنفذة والواصلة و اللاعبة بعرض البلد وطوله من خارج هيئة الحشد، انّما هي دعوات غير مجدية بل من الأجدى عدم وجودها أصلاً، لأسباب كثيرة، منها انّ القرار في حل المليشيات ليس عراقياً وانما هو خارجي، ومن الأسباب ايضاً إمكانية ان تتبنى جهات سياسية متبرعة عن طيب خاطر المتضررين في المليشيات التي سيجري حلها ، بالرغم من انه افتراض نظري ليس له ما يدعمه على ارض الواقع العراقي من قريب او بعيد، حتى لو طلب ترامب المرعب ذلك شخصياً فلن يكون له ما يريد.
ارى انّ هذا الافتراض لو حصل وتحول واقعا لذابت كل المليشيات في هياكل رسمية او اجتماعية او سياسية، ونقلت معها جميع ما يجري رفضه من سلوك اليوم لتبرير حلها، وستكون عندها المهمة متفاقمة وصعبة وانّ أي حل مستقبلي سيعني تفكيك الحواضن الجديدة التي استوعبت تلك المليشيات المفككة، بما يخرب أبنية أمنية وعسكرية وسياسية.
لذلك أرى انّ من الصواب عدم المطالبة بحل المليشيات والإبقاء عليها، مادامت الحواضن الأكبر منها ترعاها بأشكال رسمية وغير رسمية، وبصيغ معنوية واعتبارية، ومن هنا يكون من العبث اصلاح زاوية من البنيان وترك الاعمدة والسقوف عالية بما تحمل وتفترش.
لتبق المليشيات في مكانها، عنواناً مستقلاً يتحمل أوزار ذاته، وقد يتحمل وزراً منها مَن يريد من الطبقة السياسية المستفيدة او المتملقة، واتركوا الجمل بما حمل.