الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل سمع ترامب برد سيدة فقدت أبناءها في غزّة ؟

بواسطة azzaman

الرئيس الأمريكي يطرح حلاً لأعقد مشكلة قد يقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب

هل سمع ترامب برد سيدة فقدت أبناءها في غزّة ؟

سعد ناجي جواد

 

لا استطيع مهما أوتيت من قدرة على الكتابة ان اصف مشاعري الغاضبة والمي الكبير واشمئزازي يوم امس وانا أتابع ما يجري في البيت الأبيض. ولا ادري كيف تحملت سماع احاديث هي اقرب لتخاريف نهاية العمر. لقد كان ذلك يوما اسودا بكل ما تحوي الكلمة من معاني، ويمكن ان يكون بداية لايام سوداء قادمة، ليس فقط لأبناء غزة وللفلسطينيين فقط ولكن لكل العرب. ما قاله الرئيس الأمريكي وما ينوي فعله فاق ما قامت به الولايات المتحدة وقبلها بريطانيا منذ وعد بلفور والغرب بصورة عامة منذ عام 1947.

طرح فكرة

لقد منح السيد ترامب لنفسه الحق في طرح فكرة تهجير اكثر من مليوني شخص هم ابناء غزة عنوة، وكذلك الحق في اختيار الأمكنة التي يجب ان يذهبوا اليها، ومنح دولة الاحتلال الحق في ضم الصفة الغربية والتوسع حسب ما تشاء في مناطق الحوار (لانها دولة صغيرة جدا بحجم راس القلم). وضرب عرض الحائط كل القرارات الدولية التي صدرت بحق الفلسطينيين وعودتهم إلى بلادهم واقامة دولتهم فوق ارضهم، وهي قرارات صادقت عليها واشنطن جميعا. في البداية هو كذب حينما قال ان التهجير هو لاسباب إنسانية لان غزة لم تعد صالحة للعيش، وان غزة مليئة بالقنابل غير المنفجرة ولا يوجد فيها اي شيء من مقومات الحياة، وان أعمارها يتطلب ان تكون خالية، وان الغزاويين سيعودون ليعيشوا في مكان جميل سيتم إعادة بناءه (بأموال عربية). ثم عاد وقال انهم لن يعودوا لأنه قرر ان يبني لهم مدنا جميلة (وبأموال عربية ايضا) في المناطق التي سينقلون لها، (مصر والأردن) او اي بلد آخر يقبلهم. وظل يكرر ان مصر والأردن رفضتا ولكنهما سيقبلان، او سيغيران موقفهما، ولم يقل لنا كيف؟ او هل يخطط لاجبار قادة البلدين على فعل ذلك؟ واختتم ذلك بمؤتمر صحفي مع مجرم الحرب المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، الذي لم يستطع ان يكتم فرحته ويستعيد الابتسامة الصفراء التي غابت عن وجهه منذ 7 اكتوبر 2023، فقام الإدلاء بدلوه في طرح الحلول لابادة الفلسطينيين وإفراغ غزة من سكانها، وكال المديح للرئيس الأمريكي و(لفكره الثاقب)، معتبرا إياه اعظم رئيس أمريكي صديق لإسرائيل، (وربما كانت هذه العبارة الصحيحة الوحيدة التي قالها). اما الطامة الكبرى فكانت تلميح الرئيس الأمريكي بان الولايات المتحدة ستتدخل بنفسها من اجل تنفيذ هذا التهجير القسري. الامر الملفت للنظر انه لم يظهر احد سواء داخل المؤتمر الصحفي او من المعلقين على القنوات الفضائية الأمريكية من سال ما هذا الهذيان؟ او من اعتبر ما يقوله الرئيس ضرب من ضروب الخيال،  او ان يساله بعض الاسئلة مثل من قال لك ان ابناء غزة يريدونك ان تبني لهم مدينتهم؟ وهم الذين أعادوا بأنفسهم بنائها اكثر من مرة، من قال لك ان ابناء غزة يريدون ان يتركون مدينتهم؟ وهل اشتكى الغزاويون لك او طلبوا منك ان تبحث لهم عن مناطق اخرى ليعيشوا فيها؟ وهل يوجد احد، حتى لو كان طفلا صغيرا ان يصدق ان الرئيس الامريكي قلق على الوضع غير الإنساني في غزة ومشاعره الجياشة المفاجئة تجاه ابنائها؟  وانه يريد لهم ان يعيشوا في مكان آخر؟ وحدد مدة الغياب عن الديار بخمسة عشر  عاما، قال انها مطلوبة لإعادة بناء القطاع. ثم اختتم حديثه بالقول ان هذه الفكرة ومضت في ذهنه في لحظة من اللحظات وطرحها على اشخاص من ادارته كلهم وافقوا عليها واعتبروها فكرة جيدة! وبالتالي فان ومضاته الفكرية لا تحتاج إلى دراسة او مناقشة.

وان أتابع المسرحية الهزلية عادت إلى ذهني بعض الاحداث التي وقعت اثناء حملة الرئيس الانتخابية. اول حدث هو ممثلو الجاليات العربية والإسلامية الذين اعلنوا تأييدهم لانتخابه، وكتاب المقالات الذين كانوا، ومازالوا، يبشرونا بان الرئيس الجديد سيكون غير ذلك الذي حكم في فترته الاولى، ووصل الأمر بالبعض ان يقولوا ان نتنياهو بالذات سيواجه اياما سوداء لان السيد ترامب لم ينس له تخليه عنه، والجاليه اليهودية، في الانتخابات السابقة التي فاز فيها بايدن عليه. او اولئك الذين يحذرونا باستمرار من مغبة عدم سماع كلامه واطاعة اوامره.

مبشرين بهزائم

لقد تعود جيلنا على مشاهدة المبشرين بالهزائم والذين يفرحون بها، وعلى الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة تستطيع ان تفعل اي شيء، ولن ينفع معهم التذكير بما حدث في كوريا وكوبا وفيتنام والصومال والعراق وافغانستان، والان في غزة رغم كل الدعم الأمريكي لجيش الاحتلال. ولكن من المفيد تذكيرهم بين الاونة والأخرى.

احاديث وتصرفات الرئيس الأمريكي يوم امس، واليوم الذي قبله، جعلتني أستعيد بعض الامل. فاولا هو قرر تعليق (الذي هو بمثابة تراجع اولي) اغلب القرارات التي اتخذها تجاه المكسيك وكندا وكولومبيا وحتى الصين، وعلل ذلك بانه تحدث مع قادة تلك الدول وأنهم وعدوه بضبط الحدود ومنع المهاجرين، في حين انه اعلن اثناء مسرحية توقيع القرارات (التي بدات تكرر اكثر من اللازم)، ان المشكلة هي بالاساس تجارية وان هذه الدول، وخاصة كندا والمكسيك والصين، تستنزفان الولايات المتحدة اقتصاديا بمنتجات لا تحتاجها. ثم قال انه سيتحدث مع الرئيس الصيني لإيجاد حل للمشاكل التجارية بين البلدين، بعد ان خفض الرسوم التي اقترح فرضها على بكين. والمهم في هذه التراجعات انها جاءت بعد ان رفضت هذه الدول قراراته وتصدت له واصدرت قرارات من جانبها فرضت فيها ضرائب ورسوم على المنتجات الأمريكية.  طبعا المضحك في هذا الامر ان الاقتصاديين الاميركان اكدوا ان واردات الرسوم التي يريد ان يفرضها الرئيس الأمريكي على الدول الاخرى سوف لن تحل المشكلة المالية او العجز في الميزانية الأمريكية بل ستزيدها، لانها لا تغطي ما سيمنحه من إعفاءات ضريبية للأغنياء وللشركات الصناعية العملاقة، وان نتائج هذه الحرب التجارية ستكون وبالا على المستهلك الأمريكي.

ما اريد ان أقوله ان الرئيس ترامب بدأ بالتراجع خطوة خطوة عن ما تحدث به يوم تنصيبه، سواء باقتراح تخفيض الرسوم او تعليقها لمدة معينة، والسبب هو الموقف الصلب الذي وقفته الدول التي هددها. ويوم امس أظهرت دول الاتحاد الأوربي ومعها بريطانيا النية لفعل الشيء نفسه إذا ما فرضت ضرائب امريكية عليهم. والسوال الاهم يبقى هل ستتخذ الدول العربية موقفا رافضا مشابها لمخططات  الرئيس الامريكي؟ وهل ستطالب دولة ما بعقد قمة عربية طارئة لمناقشة فكرة تهجير ابناء غزة، كمقدمة لتهجير كل الفلسطينيين، وتشجع مصر والأردن على الثبات في موقفهما؟ وهل ستصحو الجامعة العربية من سباتها وتفعل ذلك؟ ام انها قد تتخذ خطوة تُجَملُها اكثر في عين الولايات المتحدة والغرب تتمثل بطرد فلسطين منها، حتى لا يشعر السيد ترامب بالحرج عند تنفيذ مخططه.

وكما في كل مرة يبقى المعيار الاهم في كل ما يجري ويقال هو الموقف الفلسطيني، الذي وحده من بيده إفشال هذه المشاريع والأفكار. ربما ابلغ رد جاء من سيدة فلسطينية فقدت ابنائها في غزة قالت فيه (نحن لدينا قماش ابيض كافي لكي نصنع أكفان لنا وليس لدينا قماش ابيضّ حتى نرفعه للاستلام). المقاومة الفلسطينية قالت كلمتها واعلنت رفضها، وكذلك ابناء غزة والضفة. واصلا ان مسيرة مئات الالوف العائدين إلى مدنهم في شمال القطاع كانت ابلغ رد لمن يريد ان يستوعب. هذا ما يجب أن نعول عليه، وهذا هو ما سيفشل كل ما يخطط لغزة ولفلسطين من مشاريع لئيمة ومعادية لكل ما هو عربي ومسلم. وهم كما ورد في كتاب الله الكريم: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)ت

 


مشاهدات 37
الكاتب سعد ناجي جواد
أضيف 2025/02/07 - 11:52 PM
آخر تحديث 2025/02/08 - 5:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 116 الشهر 3929 الكلي 10399300
الوقت الآن
السبت 2025/2/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير