فاتح عبد السلام
الانسحاب الأمريكي المعلن من منظمة الصحة العالمية يعني حجب مساهمات بمقدار 16 في المائة من موازنة المنظمة بما يفوق على مليار وثلث مليار دولار. في وقت تتهدد العالم أمراض وفيروسات وربما جوائح غامضة في الطريق. التبرير الظاهر هو انّ الصين لا تسهم بطريقة متناسبة، وانّ هناك إنفاقا غير مبرر.
القضية ليست منظمة الصحة، بقدر ما تعني “نظرية أمريكية جديدة” لتوجيه كل الإمكانات نحو الولايات المتحدة على نهج من التصرف المركزي غير قابل للتصرف أو التأثيرات أو الاجتهادات العالمية. وبحسب المبدأ الجديد للرئيس ترامب فإنّ الذي لا يورّث بلاده الأرباح فهو عمل خاسر، وانّ العين الامريكية ستتجه في أربع سنوات الى الانتشار الاستثماري في العالم وليس الاستهلاكي، فالمِنَح والهبات ستكون محسوبة تحت هذا الضابط. وقد تنسحب هذه الرؤية على مساعدات ثابتة منذ عقود للجيش المصري، وقد تشمل مستويات من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمناطق مختلفة، وهذا يتطلب من اية دولة تعتمد على الدعم الأمريكي كعمود أساس في بنائها أن تتفاعل إيجابيا وبالسرعة العالية لإعادة ترتيب أوضاعها بعيدا عن حسابات الدعم التقليدية. لكن في المقابل لن تنجح خطة الانسحابات الامريكية ذات “المسحة المالية” في جميع المجالات العالمية لأن “كلفة الفراغ” ربما تكون أعلى من “كلفة الملء”، وهذا سيشمل الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس للمناخ. حتى قرارات الحد من الهجرة على هذا النحو الكبير والشامل قد تترك فراغات في سوق العمل او في جوانب حياتية كانت تشغلها ايدي المهاجرين، وان القرارات الكفيلة باحتوائهم افضل من سواها، لكنها في النهاية جزء من بناء “نظرية الويات المتحدة الجديدة”، التي تسعى لتركيز عناصر القوة داخلها، وتوسيع اشعاع الوصول والانتشار العالمي بكلفة أقل وبتأثير أعلى.
هناك استثناء واحد هو إسرائيل التي ستبقى في عين الرعاية الامريكية الحانية، وهنا لا يجري حساب الربح والخسارة استنادا لنفس المعايير المتبعة في العلاقة مع الدول الأخرى، ربما لتلاقي الكثير من الأهداف والرؤى في المعيار الاستراتيجي الذي قد لا يلاحظه الاخرون مرحليا أو دائماً.
في ضوء ذلك، ماذا للعراق مع الولايات المتحدة؟ وهل يدخل في ميزان ترامب للربح والخسارة؟ هذا الامر هو مدخل أي تصور لقرارات أمريكية جديدة تخص افراداً أو جهات او تنظيمات او مؤسسات في العراق، وانّ القائمين على حكم البلد يواجهون استحقاقات اية أعراض جانبية لمسار العلاقات الامريكية العراقية، والاهم هو، هل يمكن ان تستخدم إدارة ترامب مصطلح “العلاقات الامريكية العراقية” كما تقول “العلاقات الامريكية الروسية أو الصينية أو السعودية، أم انّ “القياسات” في ضوء أجواء عدم الرضا، لا تحتمل ذلك الاستخدام؟