دعاوى أم دعاوي
لطيف القصاب
درَّسْتُ لسنوات عدّة العربيّة العامّة لطلبة القانون في إحدى الجامعات الأهليّة، وما لفت انتباهي حينها كثرة الأخطاء التي يقع فيها عددٌ معتدٌّ به من زملائي في الكليّة؛ ولأنّ اختصاصي الدقيق هو (التصحيح اللغويّ)، فقد كنتُ أؤّشر -كلّما سنحت لي الفرصة- عددًا من الأخطاء اللغويّة التي تجري على ألسنة، أو أقلام الزملاء الأعزّاء. ولكنّني أقلعت بعد (فترة) عن (عادة) التصحيح هذه لما لمستُه من جفاء أو تمنّع (البعض) منهم. وأكرّر القول:من بعضهم لا كلّهم...
ولعلّ ذلك الجفاء أو التمنّع – والله أعلم- مردّه إلى (كوني) متخصصًا بالنحو والصرف، وما إلى ذلك... في حين أنّهم متخصصون بالقانون الدستوري، والقانون الجنائي، وما إلى ذلك...
وقد تفّهمت (آجلاً لا عاجلًا) البواعث التي تجعل من أهل القانون- وهم أكثر الناس حاجةً للغة-يرفضون الاستماع إلى (تصحيحاتي) الوديّة الناصحة!
ولعلّ أبرز بواعث ذلك الرفض يكمن في الوهم الذي يسيطر على عقول بعض الأكاديميين، فيصوّر لهم أن اختصاصاتهم أهمّ من اختصاصات الآخرين، وهذا الوهم للأسف الشديد نافذٌ في نفوس كثيرين، فضلا عن عقولهم؛ فالطبيب -غالبًا- يشعر أنّ تخصصه هو الأفضل، والمهندس يفعل الأمر نفسه، وهكذا، وهلم جرا، فآثرت أن أترك الزملاء الأعزّاء وشأنهم ، وأصرف الهمّة نحو طلبتي، لـ (بواعث) كثيرة أيضًا؛ منها أنّي لن أتوقع أن يتجرّأ أحدهم فيرفض لي تصحيحًا! وتنفيذًا لهذه الخطة فقد أدخلتُ ضمن منهاج العربية مادة: الأخطاء الشائعة، والأغلاط الشائعة في كتابة البحث القانوني، وقد زدتُ على المعروف منها موارد -أحسبها مفيدة- من عندياتي، وأكثرها مستفادٌ من متابعاتي لسقطات الكتابة، والكلام في أوساطنا العلمية والأدبية.
و(كم) كانت فرحتي غامرة يوم أمس حين التقيت أحد طلبتي النابهين من دفعة (كورونا)، وماضاعف فرحتي -وقتها- أنّه سلّمني (كارتا تعريفيّا)، كتب فيه:
المحامي (فلان الفلاني) مستعدٌّ للتوكّل في ( الدعاوى) ...الخ، فقد أحسستُ حينها أنّ جهودي لم تذهب سدًى، وأنّ (بعضهم) ما يزال يتذكّر قولي إنّ جمع دعوى هو دعاوى، لا دعاوي،كما كان ينطقها الراحل طيّب الذكر طارق حرب...
جاء في لسان العرب: ((يقال لي في هذا الأمر دعوى ودعاوى)).