عمار الموسوي .. مثال يحتذى به
وسادة ضمير المدير
أحمد عبد المجيد
نادراً ما تجد مؤسسة حكومية تقدم خدماتها للمراجعين بمثالية وهمة عاليتين، بل صار الواحد منا يصاب بالاعياء، احياناً، اذا قدر له ان يتابع معاملة تخصه في دوائر الدولة، ولاسيما الخدمية منها.
لكن وجدت الاستثناء قائماً وحياً، خلال مصادفة قادتني الى هيئة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديداً دائرة التأهيل الطبي والمجتمعي والتربوي والمهني، المعنية بتقدير الحاجة الى معين متفرغ يتولى رعاية أصحاب الهمم والمقعدين والمعوقين. وهذه شريحة كبيرة في مجتمعاتنا، وقد حرصت الدول على سن قوانين لحمايتهم أو توفير الحياة المناسبة لهم. ولم يشذ العراق عن بقية الدول في تقديم الدعم والرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة وتهيئة فرص التكفل، بصرف رواتب من يتطوعون من الاهل أو الاقارب لرعايتهم.وكنت احرص على متابعة اي تطور تحظى به هذه الشريحة والمعالجات، التي تتم بصدد مشكلاتها الناجمة عن مراجعة اللجان الطبية أو انجاز اجراءات الحصول على الامتيازات القانونية والالتفاتات الادارية من هذا المسؤول او ذاك الموظف في الدائرة.
اصحاب الهمم
وصادف اني اضطررت الى زيارة دائرة التأهيل الطبي والمجتمعي، لمصاحبة طفلة من اصحاب الهمم، تراجع والدتها الجهات المعنية، سنوياً، لشمولها بالتفرغ من الوظيفة لرعاية ابنتها. وتحولت المصادفة الى فرصة للاطلاع على أول مدير ينفرد بتطبيق نظام الادارة التفاعلية مع المراجعين وتطبيقاتها الميدانية للوقوف على احتياجاتهم والاجابة عن اسئلتهم، المفعمة بالرجاء والمليئة بالتوسل والقبول بالأمر الواقع (المحنة). هذا المدير اذهلني بصبره وسعة صدره وهدوء اعصابه، مثلما اذهلني في حجم القناعة التي يتركها على وجه المراجعين، لسببين الأول نيته الصادقة في انجاز المعاملات، بأسرع وقت وأفضل طريقة، والثانية في قدرته على تطويع العاملين في مكتبه وبقية اقسام الدائرة، من أجل ترك الطرق التقليدية في العمل، وتفهم ظروف المراجعين وجلهم من المعاقين وذوي الحاجة البدنية. ولم أملك وانا اتابع من بعيد، ومن ثم من قريب، اداء الرجل إلا ان ابلغه بقناعتي الحقيقية وقولي له (لم ار في حياتي مديراً يحظى بالدعاء والرضا مثلك)، فخلال ساعة من وجودي داخل الدائرة، سمعت عشرات الابتهالات الى الله تتردد على الألسنة وهي تشيد بعمار الموســــــــوي، الذي ترك مكتبه الرسمي وغرفته وخصص منضدة في مدخل الدائرة للاجابة عن الاسئلة وتمشية المعاملات وتوجيه المراجعين من اجل انجاز معاملاتهم بأسرع وقت. وقد تذكرت قول أحد الحكماء وأنا أتامل المــــشهد (روعة الانسان ليست بما يملك بل بما يمنح).
وقديماً قيل ان سعادة الانسان تكمن في قدرته على خدمة الناس في مجتعه، وانه اذا شرع بوضع رأسه على الوسادة بعد عناء جهاده اليومي، سيبحر فوراً في نوم عميق،وتحلق احلامه على غيوم الرضا والاطمئنان والشعور بالارتياح.
مؤسسة حكومية
لقد جسد عمار الموسوي شعار موظف الخدمة العامة، أفضل تجسيد ومنح المسؤولية الوظيفية درجة من الشرفية، قلما تحظى بها في مؤسسة حكومية، لاسيما انه يخدم شريحة من الضعفاء وفاقدي الوساطة وقليلي الحيلة في التعامل مع الروتين الحكومي. لقد ضمن الموسوي النوم على وسادة ناعمة، وقديماً قيل (ليس هناك وسادة ناعمة في العالم مثل الضمير النقي).ولو لم يمتلك عمار الموسوي الضمير النقي، لما تصرف مع المسؤولية الوظيفية تصرف (خير الناس من نفع الناس) بحسب القول المأثور.
واذا تلاقت الضمائر النقية، فأني أطالب وزير العمل والشؤون الاجتماعية المثابر احمد الاسدي بتكريم هذا المدير، واختياره مثالاً يحتذى به وبتجربته في الخدمة العامة.
العمل الحكومي يجب ان يكون نموذجاً للاخلاص والانضباط والتواضع، وهي خصائص نجاح المدير عمار الموسوي.