سوريا الجديدة والتعلم من التجربة العراقية
سيف السعدي
العالم يترقب وينتظر المواقف والسلوكيات الناتجة عن المعارضة السورية برمزية احمد الشرع حالياً الجولاني سابقاً، حيث اسقطت المعارضة نظام بشار الاسد الذي استمر لقرابة 24 سنة من البطش والاجرام وسجون الرأي، علاقاته سيئة مع اغلب دول العالم، إذ لم اجد دولة واحدة صديقة لنظام بشار الاسد تتأسف على سقوطه او تغييره!!، حتى إيران تحدثت عن نصائح للاسد ولكن لم يكن يستمع لاحد، والذي لا يستمع لشعبه ولا يهمه امرهم يحصل به كما حصل مع المستعصم بالله عندما دخل هولاكو الى بغداد وأسر الخليفة العباسي المستعصم بالله قال له دلني على المال واطلق سراحك فقال تحت البركة»حمام السباحة» فحفر الجنود واخرجوا اكوما من الذهب وصفوها «بالتل العظيم» فقال هولاكو لو انفقت هذا المال على جيشك لهزمتنا ولحقنت دماء شعــبك وامر بقتله فقتل، نفس الشيء مع بشار الاسد لو سمع شعبه لمًا وصلت سوريا إلى ما وصلت اليه من خراب ودمار ونزوح وتهجير.
ومن هنا نتسائل هل تتعلم المعارضة السورية من التجربة العراقية بعد 2003؟؟ لأن المجتمع العراقي وفواعله السياسية عرفت الديمقراطية شكلاً وابتعدت عن مضمونها!!، لان لا يمكن ان تكون الديمقراطية نظاماً للحكم مالم تكن نظاماً للمجتمع.
فوضى سياسية
وهنا تكمن مشكلة تغيير النظام بالعراق، حيث تسود الفوضى السياسية والحزبية، فضلاً عن السلاح خارج اطار الدولة، وهذا الامر الذي يجب ان تنتبه له المعارضة السورية وتنتقل من سياسة الطيف الواحد إلى سياسة الالوان المتعددة حتى لا يحصل مثل التجربة العراقية التي انتهجت سياسة الاقصاء والانتقائية الانتقامية في تطبيق القوانين، لذلك يجب على المعارضة السورية الانفتاح على المجتمع الدولي وسحب ظاهرة السلاح من المدن، وكتابة دستور يتصف بالمرونة ضامن لوحدة سوريا وحقوق اقلياتها، وحرية الرأي والتعبير، مع الابتعاد عن كتابة مواد التي اكون حمالة اوجه بحيث يفتح الباب لكل من هب ودب للتفسير والتأويل.
المعارضة التي غيرت النظام السوري يجب ان تحافظ على صفاء لغتها حتى تستطيع المحافظة على تغيير الانسان، حيث يرى فقيه الحضارة مالك ابن نبي ان الثورة ليست مجرد وسيلة لتغيير الانظمة بل هي مشروع حضاري شامل يسعى لاعادة تشكيل الانسان، مع التاكيد على شيء اساسي هو الابتعاد عن الاعمال الانتقامية لان ذلك سيفقد فرحة تغيير النظام وسيدخل البلاد والعباد في نفق مظلم، وعلى مايبدو عن طريق تحليل مضمون خطاب احمد الشرع حالياً ابو محمد الجولاني سابقاً نجد فرق واضح بالاسلوب والنهج وهذا بلاشك هو ذكاء من قبله من اجل توظيف تغيير النظام بالاتجاه الصحيح، مع تصحيح مسار وصف بالراديكالي لنهج سابق، نجده غير اسمه ولقبه، وحتى المخاطبات للبعثات والاقليات والمكونات كانت عبارة عن رسائل اطمئنان، وهنا العالم يترقب إذا ما كانت هذه الشعارات اقوال تبعها افعال وليس مجرد خطاب معسول، لان المعارضة السورية الان هي تحت الاختبار من قبل المجتمع الدولي، وهذا لا يعني ان التحديات الصعبة انتهت بسقوط نظام بشار، ابداً كون التحديات تبدأ ما بعد التغيير وكيفية إدارة مؤسسات الدولة والحفاظ على ممتلكات الشعب، وكيفية حل المشكلات مع التشكيلات المسلحة سواء قسد المدعومة امريكياً او (26) فصيل مسلح الذين شكلوا ما يعرف ب «إدارة العمليات العسكرية»، فضلاً عن الحفاظ على التوازن بالعلاقات مابين الدولة المجاورة والاقليمية التي تبحث عن نفوذ داخل سوريا.
تأثير المتصارعين
الدور العربي يجب ان يكون موجود في سوريا بعد تغيير النظام وعدم فتح المجال امام التأثير الايراني والتركي المتصارعين على اطماع ومصالح في سوريا ويعلم جميع من يتابع الوضع السوري منذ بدايته أن الفصائل التي غيرت النظام هي كثيرة، ومن خلفيات مختلفة وانتماءات متعددة، وهي ليست على وفاقٍ أبدًا، وإنما هذا الالتحام أو التكاتف أو التنسيق، مهما كانت تسميته، فرض نفسه على الجميع لكون الفرصة التاريخية تستحق استغلالها، وهو ما حدث، حيث انتفض الجميع من مناطق سيطرتهم، ولكن يبقى التحدي الاكبر هو بقاء الفصائل والجهات على اتجاه واحد وهو حفظ النظام والابتعاد عن الانقسام داخل سوريا في ظل وجود دول متصارعة تحاول تغذية الانقسامات وتوسعة الخلافات واثارة المشاكل من اجل اعادة سيطرتها مرة اخرى على مناطق في سوريا، لاسيما إيران وهي الخاسر الاكبر ضمن معادلة سوريا بسبب انقطاع خط الامداد الرئيس اتجاه حزب الله جنوب لبنان، مع انتهاء شيء يسمى «وحدة الساحات»، كل هذه التحديات ستكون بمثابة اختبار حقيقي امام قوى المعارضة للتعلم من التجربة العراقية المشوهة بالطائفية والمذهبية والانقسامات المجتمعية.