فاتح عبد السلام
نعرف انّ ويلات الحروب عانت منها المرأة العراقية، والمرأة السورية في مواقف متقدمة من الصبر محفورة في ذاكرة جيل كامل، حين كان القصف بأنواع مصادره يبيد عوائل بأجمعها أو يبقى منها احياناً طفلا او امرأة تحمل من بعد ثقل الخراب ، غير انّ المرأة الفلسطينية تقاتل بصبرها النادر وهي محاصرة، ولا حدود لدولة، امامها مفتوحة للهروب بأطفالها من النيران الإسرائيلية التي لا تعرف الرحمة مطلقاً.
نراها في الصور، امرأة تواجه الموت واقفة، وتدفن اطفالها وتحمل ما تبقى منهم بيديها وتخرج من بناية أصبحت انقاضاً الى عراء مليء بالحجارة والجثث لا سقف يظلها سوى السماء التي تحترقها صواريخ وقنابل، في شهر رمضان، شهر الصيام الذي له عند المسلمين قدسية خاصة ، وكان له في غزة الوان خاصة به قبل ان تحصد النيران كل ما هو حي وتحاصر الحشود الهائلة من الاهالي في بقعة صغيرة محاصرة.
صبر النساء الفلسطينيات ليس أمراً عابراً، هو رسالة لمن يجيد قراءتها، وهم مع الأسف، قلة في أوساط النساء العربيات في دولنا الشاردة وراء عوالم وهمية من الترف حاجبة لرؤية نماذج إنسانية عربية مجبولة بالصلابة والقوة والاقتدار والايمان في غزة وسواها في القطاع والضفة.
يوجد في الدول العربية برامج للأسرة والطفل وبرامج اجتماعية لتنمية الاسرة، وكلها تراوح بين النظرية والمظاهر التقليدية من الزيف الاجتماعي والترف الذي بات عامل خراب داخلي وليس عنصر بناء. كما لدينا اقسام مجتمع وعلوم اجتماعية في جامعاتنا غارقة في النظريات والامثلة التقليدية المستهلكة، في حين ان غزة وحدها قدمت تجارب باذخة في بناء الانسان والأسرة عبر تكامل عناصر الصبر مع الايمان في إطار الدفاع عن الهوية المهددة من العدو والصديق في زمن قاس ٍ سيسجل تفاهة الموقف العربي إزاء كارثة كبرى تتخللها كلّ يوم جريمة حرب وابادة، كما وصفها مفوض الأمم المتحدة بجنيف أمس. وهذه التجارب في مسار جديد في علوم المجتمعات.
علماء الاجتماع العرب مدعوون الى دراسة هذه النماذج البشرية وكيف تتعامل مع الحياة وسط نساء منكوبات بالفقد اليومي، وطفولة تحترق في المستشفيات قبل البيوت. انها مسارات جديدة لبناء امة أخرى لا تعرفها أمة الأبراج
العالية والصالونات المخملية وبورصة الأندية الرياضية وموائد الدواوين والمجالس والفنادق الطاعنة في البذخ.. ومن ثم الضياع في سديم الكون.
رئيس التحرير -الطبعة الدولية