وجهةُ نظر أنفاق غزة

علي الجنابي

كنتُ قد نَشرتُ مقالاً منذ أول إنطلاقةٍ لحركة القطعات المدرعة لجيش العدو الصاعغ (أي: الصهيو-امريكي-عربي-غربي) نحو حدود غزة العزة أبنتُ فيه أن الهدف الحقيقي للعدو هو عزل شمال غزة عن وسطها وجنوبها ثم ابتلاعه الى غير رجعة فلا إجترار ولا تجشُّأ ، وأما وسطها وجنوبها فهما لقمتان مؤجلتان حتى قريبٍ آت أو كما يظنُّ هو وبمكرٍ يخططُ . والآن وبعد مضي شهران على الطوفان، اعتقد انه لا نصرَ للعدو على قطاع غزة العزة إلا بتدمير أنفاق جند القسام، وذاك لا يتأتى الا من خلال:

1. اغراق الخنادق بماء بحر أو بأبخرة سامة أو ألسنة نيران أو دخان خانق او نحو ذلك: وهذا الأسلوب اسلوب من المعيب التصريح به للاسباب ادناه:

 أ. صعوبة تنفيذه بل استحالته لاسباب ميدانية وفنية كثيرة، منها استحالة تحديد مواقغ فتحات الأنفاق المُموَّهةِ بغشٍ عجيب والمتشعبة في ارجاء القطاع، ومنها أن انها أنفاق ترابية وليست مجاري كونكريتية ولن تشبع من ماء مسكوبٍ بل وسيتسرب على جوانبه وقد يضطرون للإستعانة بمياه البحر الاحمر والإستدانة منه بعد نفاذ البحر الابيض المتوسط مما يؤدي الى توسُّعِ جزيرة قبرص لتصبح «قارة قبرص».

 ب. عدم فاعلية هذا الأسلوب كونها أنفاقاً منفصلة عن بعضها وما هي بنفقٍ متصل ببعضه كي تُملأ فوهة في (بيت لاهيا) شمالاً فتخرج المياه بعد بضعة ايام من فوهة (خان يونس) جنوباً، لذا يتوجب على الجهد الهندسي لجيش العدو الصاعغ ان يتجول حاملاً (إبريق الماء) تحت قصف مقاتلي القسام الرجيم بحثاً عن الفوهات ليسكب فيها ماءه وكأنه بائع جوّال ل (شعر بنات) يتجول في حارة شعبية حين الظهيرة.

 ج. المخاطر البيئية الكبرى الناتجة من جراء ذلك والمؤثرة حتى على قطعات العدو الصاعغ. كما وهناك اسباب عسكرية ومهنية عديدة لا مجال لذكرها. وأجزم ان هدف العدو الصاغع من اطلاق هكذا تصريحات بليدة هو التأثير النفسي على معنويات سكان غزةَ من المدنيين البسطاء كي يضغطوا على مقاتلي القسام للإستسلام أو على الاقل لتسليم اسرى العدو ، ولو صمتَ ولم يصرح لكان خيرا له وأفضل.

2. تدمير الخنادق بقذائف ثقيلة أمريكية الصنع: وهذه أسلوب أسفه من سابقه للاسباب:

 أ. ان هذه القذائف هي ضد (الخنادق) وليس ضد (الأنفاق) وشتان بين الخندق والنفق، فلا تأثير لها ضد انفاق انبوبية الشكل طويلة ومترامية، بل تؤثر في خنادق معارك ذات مساحات محدودة وببضعة امتار لوحدات وتشكيلات ومقرات عسكرية متموضعة في خطوط دفاعية نظامية مكشوفة او يتم كشفها استخباريا او برصدها عن طريق التصوير الجوي، بينما انفاق غزة انفاق مجهولة المواقع ومنتشرة بمئات الكيلومترات في اراضي القطاع كما تنتشر الشرايين في جسم الانسان ويتوجب على القصف الجوي او المدفعي ان يَدكَّ ويزلزل شرايينها بالتتابع تماماً كما يُدلِّك مدرب الكرة شرايين ساق (كرستيانو رورالندو) حين يُصاب بتشنج.

فتحة النفق

ب. عمق الانفاق الكبير الممتد داخل الارض كما يشاع عنها يجعل من هذه القذائف حمقاء وغير مؤثرة او مؤثرة في مساحة فتحة النفق فقط.  ثم لو إفترضنا جدلاً ان العدو الصاعغ نجح في تدمير الانفاق برمتها باسلوب مبتكرٍ ما، فان هذا التدمير سيُعتبر نقطة الانقلاب لمعارك مميتة لا رحمةَ فيها من نوع جديد، وستكون اشد فتكا بالعدو مما مضى من صفحات في الطوفان، إذ سينقلب مقاتلو القسام حينها من (مقاومين) في مواضع دفاعية آمنة الى (انتحاريين) لا مواضع لهم ولا ملاجئ وسيستخفون في ازقة الاحياء السكنية وفي الابينة وتحت انقاض المباني وليس لهم الا الدفاع عن انفسهم على مبدأ (الحكامُ العَربُ من ورائكم والعدو من أمامكم). اللهم انصر غزة رفعة الرأس للعرب والإسلام واخذل العدو (الصهيو-امريكي-عربي-غربي)،فقد بلغ السيل الزبى وصهل الخيل قد اختفى وطفح العار على الربى.