الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
وجهة نظر في بكاء بنات صالح

بواسطة azzaman

وجهة نظر في بكاء بنات صالح

مصطفى عبيد دفاك

تمر السنون والدراما العراقية تتشبث بتسلق درجات سلم الصعود الى مستوى يليق بها نظرا لما يمتلكه العراق من مواهب ترتقي لمصاف المبدعين، لكنها تترنح بين كم ضئيل ونوع فقير. وجاءت السنة الرمضانية الماضية بحزمة اعمال احسسنا معها بنسخة محلية اثارت فينا فرحة واملا بمستقبل قد يكون أفضل من السنين العجاف التي مرت بالدراما العراقية للزمن الماضي القريب. لكن بعض هذه الاعمال لا تمتلك من عراقيتها سوى اللهجة المحلية والأماكن.

هناك خيط رفيع واهٍ بين الاقتباس والسرقة، فالأول اخذ الفكرة ذاتها وإعادة صياغتها بأسلوب ومعالجات تختلف عن المُقتبَسِ منه سواء من ناحية الشكل أو المضمون، ومن باب الابتعاد عن السرقة لابد من ذكر مفردة (اقتباس عن) وعدم اعتماد مفردة تأليف، والاقتباس يكون لبعض أفكار المشاهد التي تغذي الخط الرئيس للعمل اما ان يتسرب الامر للنقل الفوتوغرافي والبناء الفكري والسردي واستعارة المعالجات فهذا يستدعي الوقوف عنده وتأشيره كظاهرة لا تنتمي لا للتناص ولا لتوارد الخواطر ولا للاقتباس ذاته! .

«لا يا ابنتي العزيزة « قصة وسيناريو وحوار يوسف فرنسيس، اخراج نور الدمرداش، أُنتِجَ في ستوديوهات عجمان 1979 وعرض في العراق في بداية الثمانينات، هو المسلسل الذي اقتبس عنه المسلسل (بنات صالح). اقتبست القصة كاملة بدون تغيير، الا في بعض الحوارات ومهنة الاب والتي لم يكسب (صالح) بها ود المتلقي في طبيعة علاقته مع المرأة التي قتلها زوجها وفقد التعاطف معه، في حين كانت القصة الاصلية مبررة بطريقة محبكة ومثيرة للتعاطف مع البطل. وكان الحوار في كثير من المواقف بحاجة الى بناء يتوافق وطبيعة اللهجة العراقية وبما يقوي من المشهد ذاته. واختصر الحديث عن القصة والسيناريو لكونه نسخة مقاربة للنسخة الاصلية .

    هذا من ناحية القصة اما من ناحية الشكل فلم يكن مختلفا كثيرا، فلو تتبعنا مشاهد العملين من معاني اغنية العنوان الى تسلسل بناء المشاهد لوجدناه متقاربة جدا. لقد وقف المخرج في المنطقة الرمادية بين المقتبس للعمل وبين قراءته كمؤلف ثان للعمل وفرض أسلوبه ومجاله التعبيري في اغراق العمل ببكائية شديدة وتسيدت العمل فلا يكاد مشهد يخلو من البكاء والدموع ويبدو انه اعتمد افتراضات اجتماعية تقول بفرط حب العراقيين ونزعتهم القوية للحزن والشجن وهو بهذا يذهب الى معالجة استجابة المتلقي مع استجابته الخاصة ليصل بالمتلقي للفرجة وشد انتباهه للعمل، قد يحسب للعمل جغرافية المكان التي وظفت بشكل جيد . واستثمار حركة الكاميرا وحجوم اللقطات بما يؤشر قيما دلالية وجمالية في الكثير منها . كان يمكن للإضاءة ان تلعب دورا دلاليا ورمزيا اكثر مما استخدمها المخرج .

من اجل تحقيق كيانا ماديا للدراما التلفزيونية يعمل المخرج على إيجاد سبلا تساعده في انشاء انساقا من الصور والاصوات يجسد من خلالها ذلك الكيان فيتوجب عليه كي يصل الى انتاج عمل يرتقي الى الاقناع وخلق الفرجة للمتلقي ان يمتطي صهوة ادواته بلياقة ودراية وتصيير وسائل اللغة الصورية بما يخدم البناء السردي وصولا للدلالة والتعبير والخلق ، وإبراز ما يتضمنه النص من أفكار ، ولا يمكن في حالة الاقتباس لعمل ما ان تتوافر مساحة كافية للإبداع في معالجاته حيث يمكن ان يكون اسيرا للعمل المُقتَبًس منه حفاظا على وحدة الموضوع وسعيا لعدم الوقوع في محنة المقارنة التي غالبا ما ترجح كفة العمل الأصيل خاصة اذا توافرت في الأخير عوامل نجاح تتقدم خطوات عليه مثل عناصر البناء الدرامي كالحبكة والشخصية والتكوين والجو النفسي العام ، والقدرة الادائية للممثلين وفريق العمل الذي يُسَخِر إمكاناته بشكل ابداعي كالمصورين ومدير التصوير والاضاءة والديكور وغيرها ، مع ان هذا لا يقلل من قيمة وابداع العاملين في النسخة المُقتًبًسة .

  وكانت الناحية الادائية للممثلين فكانت تؤشر تصاعدا للبعض منهم وبروز شباب استطاعوا ان يقفوا بتوازن بين ممثلين ذوي خبرة وأداء متميز. (محمد هاشم) في الغالب كان اداؤه ينطوي على فهم الجانب المهم للشخصية ومعرفته بدائرة علاقاتها الا ان هناك بعض الهنات التي كانت المسؤولية مشتركة فيها بينه وبين المخرج مثل تغيير نبرة صوته في مواقف معينة والخروج منها بدون مبرر واضح، واغراقه في بكائية متعبة وتفتقر الى الاقناع في بعض المشاهِد. وكان أداء الممثلين هو المؤشر المفرح والمبشر خيرا في هذا العمل ، لقد استطاعوا ان يصلوا الى الاقناع ( قليلا) سواء من النجوم الكبار ام من الممثلات الشابات اللائي تمكنن من الإمساك بشخصياتهن .

عموما هي خطوة مبشرة ودعوة لكتابنا الكبار ان لا يتركوا مركب الدراما العراقية يبحر بلا ربان بمثل قدراتهم، وان لا تضيع بوصلة النجاح وان لا تقع الدراما العراقية بعقدة (مغني الحي لا يطرب).


مشاهدات 481
الكاتب مصطفى عبيد دفاك
أضيف 2023/12/04 - 3:02 PM
آخر تحديث 2024/07/17 - 3:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 368 الشهر 7936 الكلي 9370008
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير