الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أثر الأديان في تربية وتعليم الصبيان.. إضافة بحثية مهمة للمكتبة العراقية والعربية

بواسطة azzaman

كتابٌ جاء في أوانه فبورك متنه وعنوانه

أثر الأديان في تربية وتعليم الصبيان.. إضافة بحثية مهمة للمكتبة العراقية والعربية

ساجدة الموسوي

 

على مدى أيام وأنا أدخل مدينةً واسعةَ الأرجاء، منعشة الهواء، رصينة البناء، مزهرة العطاء، كثيفة الظلال،  كلما دخلت فيها من باب قادني إلى باب آخر فلا أجد ُ إلّا الجواهر النفيسة اللامعة، والقناديل الساطعة، والحكايات الرائعة، والأخبار الماتعة .

ولم تكن تلك المدينة سوى كتاب جديد للباحث عمر علي حيدر، أسماه (أثر الأديان في تربية وتعليم الصبيان) بمقدمة أثراها المفكر د. خزعل الماجدي، وهو من إصدار ارتقاء للنشر الدولي والتوزيع في مصر بواقع 791 صفحة من القطع الكبير، وبلغ عدد مراجعه 518 كتاباً، وخمس مجلات بحثية متخصصة.

أمّا فصول الكتاب فقد بلغت سبعة فصول مهمة ولكلِّ فصلِ حسب ما يقتضيه من تفاصيل وشروحات عدداً من المباحث المهمة، والمطالب المتفرعة.

وعدا الفصل الأول الذي تناول المقدمة وإشكاليات البحث والمفاهيم المصطلحية، فإن عناوين الفصول الخمسة كانت :

ـ الفصل الثاني: الدين. وفيه عشرة مباحث

ـ الفصل الثالث: تهميد مفصل عن التربية والتعليم عبر العصور. وفيه اثنا عشر مبحثاً

ـ الفصل الرابع: التربية والتعليم الديني في العصور الوسطى (الشرقية والغربية). وفيه اثنا عشر مبحثاً.

ـ الفصل الخامس: أثرالدين في تربية وتعليم الصبيان عند العرب في الجاهلية. وفيه خمسة مباحث.

الفصل السادس: التربية والتعليم الديني في العصور الإسلامية. وفيه تسعة مباحث

الفصل السابع: التربية والتعليم الديني في التاريخ الحديث والمعاصر. وفيه خمسة مباحث.

إن عرض عناوين الفصول يعطي فكرةً جلية عما اهتم به الكاتب ورآه مهماً في تناوله وفق منهجية بحثيةٍ تستحق ان تكون اطروحة دكتوراه.

ومما قاله الدكتور خزعل الماجدي في تقديمه للكتاب: « تكمن أهمية الكتاب في مناقشته العميقة لدور الأديان (بكل مراحلها التاريخية) في التربية والتعليم الخاصة بالأطفال والصبيان والشباب، وفي حضارات متنوعة، ولذلك جاءت حلقاته متواشجة مترابطة، وجاء رصد إيقاع تأثير الدين بشكل منطقي وواضح، وهو ما أعطى الكتاب صفة الموضوعية».

ومما ورد في مقدمة الكاتب عمرعلي حيدر: « الدين، التربية، التعليم، من هذه العوامل الثلاثة انطلقت فكرةٌ تحولت إلى سطور، والسطور إلى صفحات، والصفحات إلى فصول، والفصول إلى هذا الكتاب !.. كانت رحلة بحثية خفف من مشقتها ما كان يظهر من معلومات، وترقب لما كان يظهر من نتائج، وشغف بما كان يظهر من إنجاز، وفرح بما كان يظهر من آثار، كتاب أرجو أن يضيف علماً، ويسد فراغاً، ويكتبُ أجراً» .

الدين والتربية والتعليم

منذ نشأة الإنسان الأولى على ظهر البسيطة ألهمته فطرته البحث عن قوة ما تعينه على حل مشكلاته في الحياة وتعينه على مجابهة قوى الطبيعة فكان الدين هو الحل الذي يستمد منه قوته الروحية والجواب لتساؤلاته عن الوجود والكون.

فالمدرسة في الحضارة السومرية كانت ملتصقة بالمعبد، وكان الصبي الدارس يعتبرها بوابة السماء، وقد جاء في الأحاجي التي كان يتعلموها آنذاك، ووصلتنا على ألواح الطين بعد آلاف السنين:

« بيتٌ بأسس السماء

البيت الذي يشبه وزة واقفة على قاعدة متينة

يدخلها المرء بعيون مغلقة

ويخرج منها بعيون مفتوحة

فما هي؟

الحل: المدرسة «

ومنذ أن عرف الإنسان الدين وفق ما رآه وتصوره بنى له المعابد واختار له الكهنة ولكي يديم هذه المؤسسة الدينية أوجد لها الموارد، ولأن الموارد وحساباتها تحتاج إلى من يدون، بدأت الحاجة تفرض نفسها، وبدأ تعليم الصبيان، منذ تلك الإطلالة الأولى للتعليم أصبح التعليم مرادفاً للدين، وأما التربية فهي تحصيل حاصل لالتقاء الصبي بمعلمه الكاهن وما تفرضه العلاقة من احترام واتباع بعض الطقوس.

وقد مرَّ الدين بمراحل وحقب زمنية، وتنوعت الأديان وتفرعت بين سماوية ووضعية، وأرسل الله سبحانه الأنبياء والمرسلين موحدين ومصلحين، حتى اختتمها بخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله سلم.

وعلى مدى تلك الأزمان والحقب بقي التعليم مرتبطاً بالدين كليّاً، وكانت القيم التربوية مرافقة، تغذيها روحانية الدين وقدسيته، وما يتضمن من إرشادات ونصائح هي بذاتها دروس تربوية تهدف إلى تهذيب النفس وإرشادها للطريق القويم .

الكتاب موسوعة ومرجع

لا أبالغ إن قلت أن هذا الكتاب مدينة واسعة الأبواب والمداخل، فباستثناء الفصل الأول لم يترك الفصل الثاني شاردة ولا واردة في تعريفات الدين، ونظريات نشأته، وتصنيف الأديان، ومكوناتها، إضافة الى مباحث التعليم الاكاديمية، وحاجة الصبيان إلى العلم بكل ما يقتضيه من ملاكات ومناهج وحتى طقوس.

وشرح الباحث في الفصل الثالث بإسهاب التربية والتعليم في العصور القديمة، ومما ذكر:» منذ أكثر من من أربعة آلاف سنة وجدت في بابل القديمة مدرسة لها إدارة على غرار إدارتنا المدرسية المعاصرة. وضمت هذه المدرسة طاقماً تعليمياً وإدارياً يسلط الضوء على ما ما كانت تتمتع به من دور مهم في تنشئة الجيل ودعم المجتمع والنظام العام بطاقات وإمكانات قادرة على تلبية متطلبات الحياة والبناء الحضاري».

ويشير الكتاب إلى تفاوت ظروف نشأة التربية والتعليم عبر العصور، فكان في العصور الأولى (حِرَفِيَّاً) كما هي الحال في الحضارات السومرية والبابلية والأكدية والفرعونية، و(عسكرياً) كما في الحضارات الآشورية والفارسية والرومانية واليونانية، و(تجارياً) كما في العصر الجاهلي، و(دينياً) كما عند اليهود والنصارى والمسلمين، وعلى الرغم من اختلاف ظروف النشأة، إلا أن جميع الحضارات والأمم والأديان استخدمت الدين في قيام التربية والتعليم، وبناء المناهج، ورسم السياسات، فكان هو العامل المشترك والقاعدة الأساسية، والطريق الموصلة لتحقيق المقاصد والغايات والأهداف..

وتضمن الفصل الرابع المدرسة في الأديان والحضارات القديمة، وذكر كل ما يتعلق بالمدرسة من أشكال البناء وأدوات الكتابة، كما أثرى معظم الفصول بتفاصيل التعليم وأهدافه وطرق تدريسه ومناهجه، وأنواع وأوصاف الأقلام والألواح والأحبار والبرديات وغير ذلك من الأدوات التي رافقت الإنسان منذ فجر التاريخ (اختراع الكتابة) حتى النصف الأول من القرن العشرين الماضي.

كما تناول الكاتب في هذا الفصل وبقية الفصول ديانات الدول وما فرضته على أوضاع تعليم الصبيان فيها وخصوصاً الحضارات القديمة كالصينية والهندية والفارسية والسومرية وما تلاها من الأكدية والبابلية والآشورية،

 ولم يكتف بذلك بل اضاف العصور الوسطى الغربية (الكنسية) والشرقية (الإسلامية) وحالة الأديان مع التعليم، وأعطى للحضارة الإسلامية ما تستحقه. ثم انتقل للتاريخ الحديث والمعاصر بفصل مميز تضمن وضع التعليم الديني (الكتاتيب) في كل الدول العربية، دون أن يهمل المدارس اليهودية والكنسية بنظمها ومناهجها.

إن غنى هذا الكتاب بالمعارف الأصيلة والموثقة حول عنوانه الأثير (أثر الأديان في تربية وتعليم الصبيان) وبهذا الشكل الموسوعي يضعه مرجعاً مهماً لكلِّ دارس يقتفي أثر الأديان في كل حضارة أو حقبة زمنية.

جهدٌ جاء في أوانه

لا أدري كم استغرق عمر علي حيدر من جهد ووقت في قراءة تلك المراجع وتأليف هذا الكتاب، لكني متيقنة من أنه جاء في أوانه المناسب، لا سيما أنه ظهر في وقت يدور فيه الجدل حول موضوعات الحضارات الأديان، إذ لا تزال الساحة حامية بحوارات حول أولوية الأجدر في اثبات جملة من أهم الأحداث التاريخية على مر العصور، هل هي الرواية الدينية، أو نتائج علم الآثار؟.

خلاصة ونتائج

بعد خوض غمار رحلة بحثية مثيرة، لابد من قطف ثمار الجهود، فكانت هناك آثار ونتائج تستحق الوقوف عندها، وقد اخترت منها ما يأتي:

يقول الباحث :»نجد امتداداً لافتاً بين بيوتات تعليم الصبيان التي انطلقت بواكيرها الأولى بما يزيد على 3500 عام ق.م تحت اسم (بيوت الألواح) في العراق و(بيوت الحياة) في مصر، وما تلاهما مثل (البالايسترا) أو (الجمنازيوم) عند اليونانيين والرومان، ثم البيوت الملاصقة للبيَع والكنائس والمساجد في الديانات السماوية الثلاث، لا سيما التي قامت في العصور الوسطى سواء في الغرب تحت مسمى (التعليم الديني أو الحرفي)، أو في الجزيرة العربية تحت مسمى (الكتاتيب)، وهكذا إلى العصر الحديث -وتحديداً منتصف القرن 19م- صولاً إلى المدارس الحديثة للصبيان التي تنوعت تسمياتها، وتطابق الكثير من مضامينها.

إن ما يميز هذا التطابق في مضامين بيوتات التعليم عبر العصور هو أنه لم يأتِ نتيجة اتفاق مسبق بين أطراف ما، أو تم بنقل واسع للخبرات فيما بينها، وإنما تشابه عفوياً، ودعت إلى قيامه ظروف مختلفة، وقد فرض هذا التطابق نفسه على مجريات الأحداث التي عاصرتها التربية والتعليم عبر التاريخ، حتى أنك لتسمع قصصاً متشابهة، وتعيش وقائع متطابقة، لكن في أماكن مختلفة متباعدة، وأزمان عديدة بعضها موغلٌ بشكلٍ سحيقٍ في القدم

وحول أثر الدين يضيف:» ومن القصص المتشابهة، والوقائع المتطابقة يتضح أن أساس التربية والتعليم كان دينياً منذ أن رأى النور، وهو ديني أيضاً عندما كان يقام بعد هزّات عنيفة تصيب المجتمعات والدول عبر الأزمنة سواء في أعقاب الحروب، أو الكوارث الطبيعية التي يرافقها عادة تصاعد نسب الفقر، وانعدام الموارد، والحاجة الملحة إلى النهوض من جديد، فقد كان ينطلق دينياً لأنه يحتاج إلى تضافر القوتين الروحية والمعرفية، ولا قدرة لشيء -سوى الدين- في إحداث ذلك التغيير المنشود».

وأخيراً..

في الوقت الذي أبارك فيه للكاتب هذا الإنجاز الثقافي والعلمي والتربوي الذي يعد إضافة حقيقية للمكتبة العراقية والعربية، أتمنى أن يعمل له خلاصة في كتاب مبسط سهل التداول كي تعم الفائدة للقراء أينما كانوا، ويكون هذا الكتاب (الأم) مرجعاً للباحثين والكتاب والدارسين والمهتمين -من مثقفين ومطلعين- في مكتبات وجامعات العراق والوطن العربي.

ولا يفوتني أن أثني على بعض ما قاله الباحث عمر علي حيدر في خاتمة الكتاب عن جوهر الدين الحقيقي:» إن استخدام الدين بشكل سلبي يدمر الطاقات ويثير الأزمات ويدمر العلوم ويبدد الأموال ويقضي على الأجيال، وأن استخدام الدين بشكل صحيح يمنح طاقات كبيرة للبناء الحضاري ويعطي فرصاً واسعة للتواصل الإنساني ويعزز السلم المحلي والعالمي ... وبالتالي يدفع باتجاه تبادل الأفكار والثقافات التي تسمو وتنمو بالعلم والتعليم، فيسلط الضوء على ما يعكسه من روح نقية، وسماحة زكية، ويرفع ميل الناس نحو الإيمان بجوهره، والإلتزام بتعاليمه، فيحل الاستقرار، ويتحقق مبدأ الاستخلاف في الأرض بالعمران، والعلوم، والأفكار، والتعارف، والتواصل.


مشاهدات 670
أضيف 2023/12/01 - 2:39 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 1:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 403 الشهر 11527 الكلي 9362064
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير