حسن النواب
هناك أفراد يشرفون على دوائر حيوية تابعة لوزارة الثقافة منذُ أكثر من عشرين عاماً؛ جاءت بهم محاصصة الأحزاب التي تلجأ إلى استبدال وجوههم بنماذج متشابهة بين حين وآخر؛ أو تدوير المناصب فيما بينهم؛ وجميع هؤلاء الأفراد بعيدون كل البعد عن الثقافة وأحوالها. إذْ طيلة السنوات المنصرمة لم نشهد أي تطور في مفاصل تلك الدوائر، بلْ انكفأتْ على نفسها وانحسرتْ أنشطتها بشكل يدعو إلى الشفقة. مثلما هناك أشباه أدباء ظهروا بعد سقوط الطاغية يشبهون الكلأ الضار في حديقة ورد. لقد مضى أكثر من عقدين وهم يكتبون خزعبلاتهم بمنتهى الحرية، دلوني على واحد؛ واحد فقط حظيَ بمنجزٍ إبداعيٍّ يستحق الانتباه؛ فلا ديدن عند هؤلاء الطارئين سوى إيهام الوسط الثقافي بهلوساتهم المزعجة ونصوصهم الواهية حتى يلفظون أنفاسهم الأخيرة غير مأسوف عليهم. الطامة الكبرى أنَّ هناك جهات ثقافية مشبوهة تحرقُ البخور لشخوصهم الهزيلة وتتبنَّى مؤلفاتهم الرديئة؛ كما لو أنَّ المبدعين قد شحُّوا وليس هناك سوى هؤلاء المزيفين المتنطعين في البلاد. في زمن الطاغية كان هناك شعراء يشار إلى إبداعهم بالبنان لم يظهروا بلقاء شخصي على التلفزيون لمدة خمس دقائق طيلة حياتهم الثقافية؛ بينما تعرض الفضائيات في الوقت الحاضر لقاءات على مدى ساعةٍ مع أنصاف أدباء يجهلون سيرورة الإبداع مثلما يخفقون بكتابة جملة أدبية بلا أخطاء. بل هناك منهم من يتباهى بأرشيفه الهزيل ويحتفظ بساعات تلفازية لا حصر لها قد أجريت معهُ. وأقول لهؤلاء الصيصان حتى لو ظهرتم مليون مرة على شاشة التلفاز فلنْ تحصدوا سوى هواءً في شبك. لأنكم جئتم إلى المشهد الثقافي بظروف أديبة طارئة وزائفة ومصيركم زبد البحر في نهاية المطاف. في زمن الطاغية برغم غطرستهِ وبطشه خرج من معتقلاته وحروبه ورعبه شعراء الجيل الثمانيني الذين شاعَ إبداعهم في أرجاء البلاد من شماله إلى جنوبه؛ وأرغم السلطة الثقافية على احترام نصوصهم النثرية؛ بالوقت الذي كانت صحف الحكومة لا تنشر في صفحاتها الثقافية سوى القصائد العمودية والحرة، لكنَّ تلك السطلة الجائرة أذعنت أخيراً وسمحت لقصيدة النثر بالظهور من خلال الصفحات والمجلات الثقافية بعد طول كفاح وعناء من قبل شعرائها المعذبين والذين كان أغلبهم في جبهات النار. ما أحوج المؤسسة الثقافية الرسمية بالوقت الحاضر إلى أدباء أنقياء مبدعين راسخين يشرفون عليها وبذلك ستنتج مَنْ هم أنقى وأبدع وأرسخ منهم، لأنَّ المبدع الحقيقي يفرح لمنجز الآخر ولا يضع الأسلاك الشائكة في طريقه. صحيح أنَّ وسط هذا العقم الأدبي والفني في مؤسسات وزارة الثقافة هناك أحد المبدعين من يشغل أحد مفاصل الثقافة العراقية حاليا؛ ويكنُّ الوسط الثقافي لهُ الحب؛ لدماثةِ خلقهِ وتواضعهِ وسعةِ صدرهِ؛ مثلما يتمتع بحظوة لدى رئيس الوزراء فهو مستشاره الثقافي؛ ولكن ماذا بوسعهِ أنْ يفعل لوحده؟ وكيف يدرأ ترهات حيتان جاءت بهم المحاصصة ليتربعوا على كراسي الدوائر الثقافية. لا يمكن للثقافة العراقية أن تتعافى ما لم يكن هناك مبدعون على رأس مؤسساتها الثقافية قاطبة. ولذا أقترح على الحكومة إبعاد الحيتان عن مفاصل الثقافة العراقية، واستقطاب المبدعين للأشراف عليها بعيداً عن المحاصصة، وسترى التطور الإبداعي الذي سيطرأ على ثقافة البلاد خلال فترة وجيزة، أما إذا ظلَّت أحوال الثقافة على هذا المنوال وبهذا الانكفاء وتحت أشراف زمرة من المترفين تدعمهم الأحزاب التي جاءوا منها؛ فسيرُهق مستشار رئيس الوزراء أمام هؤلاء الجهلة بعد حين، مادام يدفع بعجلة الإبداع وحيداً في طريق شاق مليئاً بالفخاخ والأشواك والأعشاب الضارة.