الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بالأرقام .. كيف خسرت أسرائيل حربها؟ (1-2)

بواسطة azzaman

بالأرقام .. كيف خسرت أسرائيل حربها؟ (1-2)

منقذ داغر

 

ملاحظة أفتتاحية:أنا من أشد المعارضين للاسلام السياسي وبخاصة المسلح منه ومهما كان مذهبه.

أفتتحت مقالي بهذه الملاحظة لتوكيد أني ضد حماس من حيث المبدأ،لذا فما سأكتبه هنا يصب في خانة التحليل الموضوعي المجرد عن الأدلجة الفكرية والمماحكة العقائدية. مقالي هذا لا يخص الأسباب الحقيقية التي أنطلقت منها حماس في هجومها يوم 7 تشرين الأول،لكنه يناقش التحولات الجذرية التي أحدثها هذا الهجوم في موازين(القوة الناعمة)على صعيد القضية الفلسطينية ككل سواء قصدت حماس ذلك أم لم تقصده،وسواء أتفقنا مع حماس أو أختلفنا معها. ولأني رجل لا أؤمن سوى بالأرقام فسأقرأ وأستنتج ما تقوله الأرقام عن مآل تلك القضية وبأكبر قدر من ضبط العواطف وإعمال العقل رغم صعوبة ذلك في ظل المذابح الأسرائيلية التي تودي بحياة طفل واحد في غزة كل عشر دقائق وهو رقم قياسي عالمي لم تصله أي حرب بعد قصف ناكازاكي وهيروشيما عام 1945.

يخطأ من يعتقد أن أسرائيل أحتلت فلسطين وأنتصرت في حروبها مع العرب،منذ النكبة عام 1948، بسبب تفوقها العسكري. ففي أكثر من مرة كانت الدائرة العسكرية تدور على أسرائيل وتضعها في زاوية النهاية الى أن تمتد يد الأنقاذ الأمريكي-الغربي لتنتشلها من ورطتها وتحول موازين القوى في صالحها.لقد تمتعت أسرائيل طوال ثمان عقود بدعم سياسي أمريكي-غربي مطلق. وتم توظيف ما تعرض له اليهود على يد النازية بطريقة ذكية لكسب تعاطف دولي ساهم،بالأضافة لأسلحة ناعمة أخرى كالمال والأعلام، في بناء سردية الشعب المظلوم تاريخياً،والمتطور حضارياً وعلمياً،والباحث عن السلام في وسط أمة من الرعاع الهمج المتخلفين،الذين لا وزن لهم على الصعيد السياسي الدولي ممن أن حضروا على المسرح السياسي لا يُعدّوا وأن غابوا عنه لا يُفتقدوا. هذه السردية الهوليوودية التي يتعاطف معها كل أنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده،منحت دولة أسرائيل قدرة تأثير قوية في القرار السياسي الدولي وبالذات الأمريكي منه. لكن هذه السردية باتت معرضة للتآكل التدريجي في الغرب،وبخاصة في أمريكا،خلال السنوات السابقة وهي الآن مهددة بالسقوط التام مما أستدعى الأستعانة بكل ترسانة أسرائيل العاطفية(وفي مقدمتها معاداة السامية)،للمحافظة على ما تبقى من تعاطف دولي مزقه الضمير الأنساني وهو يشاهد مجازر غزة على يد الآلة العسكرية الأسرائيلية التي تخوض لأول مرة حرباً لأكثر من شهر دون أفق محدد للأنتصار النهائي. ومع كل شهيد مدني وكل مبنى سكني وكل مستشفى يقصف فيها،يرتفع صوت عالمي مندد،ويصحو ضمير أنساني مغيّب،ويتضامن أنسان جديد مع فلسطين وبغض النظر عن ديانته وعرقه

الضحية الفعلية

لقد نجحت هذه الحرب ولأول مرة في تسليط الضوء على الجاني الحقيقي والضحية الفعلية بعد أن كانت أسرائيل في كل الحروب السابقة تنجح ببراعة في أستغلال أدواتها الناعمة في أمريكا تحديداً، للظهور بمظهر الشعب المتقدم علمياً والمتطور حضارياً والمنتمي للعالم الأول والذي يقع ضحية لرعاع العالم الثالث.كانت هذه السردية تحديداً هي ما روجت له آلة الدعاية الصهيونية مستثمرةً الصور التي تم بثها في يوم 7 أوكتوبر للبيوت والأحياء الراقية والشعب الذي يحتفي بالفن حين يداهمه الغوغاء من كل صوب فيقتلوه ويأسروه ويدمروا آلاته الموسيقية وبيوته الثرية ومنشآته الغنية. هناك عاملان رئيسان ساهما في أعتقادي، بتدمير تلك السردية الضحياتية الأسرائيلية وأنقلابها رأساً على عقب :

1.التغيرات الديموغرافية. لا يمثل سكان أسرائيل من اليهود(حوالي 7 مليون نسمة)سوى  20بالمئة فقط من مجمل يهود العالم. يمثل اليهود الأميركان ثاني أكبر مجتمع يهودي بما يصل لحوالي 5.8 مليون شخص.وهناك حوالي 3.7 مليون آخرين ينحدرون من أب أو أم يهوديين بحسب معهد بيو PEW للأبحاث.يشكل اليهود 2.4بالمئة من مجمل الناخبين الأميركان ويمثلون قوة أنتخابية مهمة بأعتبارهم ثاني ديانة بعد المسيحية في أميركا. وأذا علمنا أن الأنتخابات الأميركية تكسب بأعشار الواحد فسنعلم مدى أهمية نسبة الناخبية اليهود بخاصة وأنهم يتمتعون بتنظيم ومال ونفوذ واسع. مع ذلك فقد شهدت القاعدة الأنتخابية اليهودية مؤخراً كثير من التغيرات المؤثرة في المرشحين الأميركان سواء على المستوى المحلي أو الوطني.أن غالبية اليهود(71بالمئة) هم من الديموقراطيين وأن درجة التأييد لبايدن هي الأعلى بين اليهود مقارنة بكل الديانات الأخرى. لكن غالبية الناخبين اليهود هم من الليبراليين الأشد تحرراً بحسب أستطلاع معهد غالوب لعام 2019 . ففي أستطلاع للناخبين اليهود قام به معهد الأنتخابات اليهودي Jewish Electorate Institute   في أمريكا عام 2022،أيد 58بالمئة من اليهود الأميركان تقييد المساعدات الأميركية العسكرية لأسرائيل لحين وقف المستوطنات،ووافق 25بالمئة منهم على أن أسرائيل هي دولة فصل عنصرية و31بالمئة أنها ترتكب مجازر ضد الأنسانية. وفي نيسان من هذه السنة أظهر أستطلاع مؤسسة بيو لأول مرة تفوق نسبة من يتعاطفون مع الفلسطينيين(49بالمئة) على من يؤيدون أسرائيل(38بالمئة).

وأن نسبة من لديهم رأي مفضل بأسرائيل قد أنخفضت الى 56بالمئة فقط. وهذا الرقم ينخفض بشدة بين الشباب اليهود الأميركان الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة.كما أظهر أستطلاع آخر أن واحد من كل خمسة يهود أميركان لا يعتقد بحق أسرائيل في الوجود. أحدث من ذلك هو الأستطلاع الذي قامت به مؤسسة كوينيبياك  Quinnipiac في نهاية شهر تشرين الأول في أميركا والذي أظهر أنحدار كبير في نسبة التأييد لأسرائيل بين فئة الشباب من اليهود. ففي الوقت الذي أيد فيه 50بالمئة من اليهود الأميركان(أجمالاً) الطريقة التي أستجابت بها أسرائيل لهجوم حماس،تنخفض النسبة بشدة بين الشباب أقل من 35 سنة لتصل الى 32بالمئة فقط. أن هذه الأرقام باتت مقلقة جداً لقادة الجالية اليهودية في أسرائيل والذين طالما لعبوا،وما زالوا يلعبون دوراً مهماً جداً في السياسة الأميركية.لقد تجسد ذلك القلق بمشهد نادر حصل في المحطة المركزية في نيويورك حيث أغلقت مظاهرة قام بها اليهود(نعم اليهود غير المتصهينين) تلك المحطة بسبب أحتجاجهم على مجازر غزة. هذا القلق قابلته أرقام أخرى أكثر قلقاً تؤشر تآكل قوة التأثير الناعمة لأسرائيل سأوضحها في مقال لاحق.

 

 

 


مشاهدات 624
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2023/11/12 - 6:24 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 5:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 403 الشهر 11527 الكلي 9362064
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير