الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الروائي حميد الحريزي.. رسائل نارية في مذكرات كلب

بواسطة azzaman

الروائي حميد الحريزي.. رسائل نارية في مذكرات كلب

حسن الموسوي

يقوم الروائي حميد الحريزي في روايته القصيرة مذكرات كلب بألسنة الحيوان بحيث يوكل مهمة السرد للكلب حنفوش ، و الألسنة هي جنس أدبي و يتولى  الحيوان او الطير مهمة سرد الأحداث.

و يعد كتاب كليلة و دمنة من أوائل الكتب الرائدة و التي تتكلم على لسان الحيوان أو الطير .

و ترجع الألسنة إلى اليونانيين القدماء وهو جنس أدبي شائع منذ عهد أرسطو .

و الحيوان كما هو معروف لا يتكلم لكن الكتاب يجعلونه ينطق بحيث يتولى مهمة السرد .

  اتخذ الروائي مذكرات كلب عنوانا لهذه الرواية القصيرة جدا

و العنوان هو العتبة النصية الأولى و هو نص موازي و يسمى أيضا بثريا النص .

يمرر الروائي حميد الحريزي في روايته القصيرة مذكرات كلب عدة رسائل تحذيرية لممارسات و أحداث خطيرة تمس المجتمع و هو حينما يسلط الضوء عليها فهو يدق جرس الانذار بغية الوقوف عندها و التجاوز عليها و أخذ العبرة منها .

يقول الكاتب على لسان الكلب حنفوش  { أنتم محرومون من أكل لحوم الطير و الأسماك و الدجاج الذي تربونه في بيوتكم ، و لكنكم تأتون به إلى هؤلاء المكرشين الأثرياء } ص  4

و هذه إشارة إلى الحالة التي كان يعيش عليها الفلاحين البسطاء أيام الإقطاع حيث الذل و الجوع للفلاح و الثراء الفاحش للإقطاعي  .

و هنا لا يكتفي الاقطاعي بتسخير الفلاحين للعمل في أراضيه الواسعة و استغلال طاقاتهم بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك .

فسيد القصر قد أقام علاقة غير شرعية مع حياة و هي إحدى نساء القرية و المتزوجة من ابن عمها المعتوه و هنا رسالة اجتماعية خطيرة يمررها الكاتب من خلال هذه الرواية القصيرة بعدم زواج النساء بالغصب ، فهذه الحالة تدفع بالمرأة إلى الخيانة و ممارسة الرذيلة.

طبع الانسان

و حياة هذه إمرأة فائقة الجمال استطاعت أن تبهر سيد القصر بجمالها حتى وقع في غرامها و اتخذها عشيقة له ، وكما هو طبع الإنسان في تبرير أخطائه،  فإن حياة قد بررت خطئها حيث يقول الكاتب { اسمع يا حنفوش ردا على ظلمهم لي و حرماني من حبيبي قررت أن أنتقم من أهلي و عشيرتي لأخونهم مع من يستغلهم و يظلمهم   } ص 7 .

كثيرة هي الرسائل التي يمررها الكاتب من خلال هذه الرواية القصيرة  ، الظلم الاجتماعي ، التسلط ، الخيانة الزوجية .

كما أن الروائي يقوم بالمقارنة بين بني البشر و الكلاب ، ففي عالم الكلاب لا وجود للخيانة .

يمرر الروائي رسالة نارية أخرى حيث يسلط الضوء على ممارسات لا أخلاقية مثل المثلية و اللواط حيث يقول { أهذا هو ما يسمى بالمثلية الجنسية و اللواطيين المنحرفين  فما أسخف الانسان و ما أوضعه و هو يقوم بمثل هذه الممارسات } ص 13

يستخدم الروائي تقنية الفلاش باك في روي الأحداث حيث تبدأ الأحداث عند وقوف الكلب حنفوش عند قبر صديقه ابو عليجة ليبدأ بسرد الأحداث .

و الفلاش باك أو الارتجاع الفني أو الاستحضار أو الاسترجاع هو انقطاع زمن سرد الحدث و الرجوع لسرد احداث جرت في زمن سابق .

و هو لعبة الذاكرة و كثيرا ما يتم الاستعانة بتقنية الفلاش باك في السينما من أجل إضفاء المتعة لدى المشاهد .

أما في الكتابة فالغاية منها هي استدعاء احداث خارج زمن السرد و هو تحول في زمن السرد .

كما أن الفلاش باك من التقنيات الأساسية في كتابة القصة و الرواية .

يتحول السرد في منتصف الرواية  إلى ما يسمى بالسرد السياسي حيث يمرر الروائي رسالة أخرى عن ابو عليجة و هو مهندس مخبول ، كان قد فقد عقله داخل السجن نتيجة للتعذيب .

و كثيرا ما سمعنا عن حكايات مماثلة لشخصيات بارزة في المجتمع { أطباء ، كتاب ، شعراء ، مهندسين ، مخترعين } كل هؤلاء كانوا ضحية ظلم السلطة الحاكمة لهم ، تلك السلطة التي لا يروق لها وجود معارضين لها  بين صفوف الجماهير ، حيث يستشهد القاص بقصيدة لمظفر النواب { انبئك عليا لو جئت اليوم لقتلك الداعون إليك و سموك شيوعيا } .

الرسالة التحذيرية الخطيرة التي مررها الروائي هي الكبت الجنسي و الذي كما يعرفه أصحاب الشأن  على أنه حرمان الشخص ذكرا كان ام أنثى من الاهتمام بموضوع الجنس و منع الحديث عنه .

و يعرف سيغموند فرويد الكبت على أنه صراع بين رغبتين متضادتين و يقول فرويد أن الجنس هو السبب خلف كل ما يصاب بـه الإنسان مـــن اضــــطرابات نفسية  .

و ينشأ الكبت  نتيجة ارتفاع تكاليف الزواج و هذا الكبت يولد مشاكل خطيرة في المجتمع لأن الإنسان و بحسب رأي الروائي يمارس الجنس في كل اوقات السنة بينما الحيوان يمارسه في أوقات محددة من السنة ضمن ما يعرف  بمواسم التزاوج .تتصاعد احداث الرواية القصيرة بطريقة تجعل من ابو عليجة المهندس الذي فقد عقله نتيجة التعذيب بأن يقوم بالتبول على تمثال رأس النظام لأخذ الثأر لنفسه لينتهي به المطاف في السجن بعد أن تم اعتقاله بالجرم المشهود و اي جرم ، التبول على تمثال الرئيس .

انتظار صديق

بعد الاعتقال و لأن الكلب يتصف بالوفاء فقد أخذ الكلب حنفوش بإنتظار صديقه ابو عليجة في الخرابة التي تجمعهم ، لكن ابو عليجة عاد جثة هامدة ، حيث يقول الكاتب  { في الليلة الرابعة للفقد فوجئت بسيارة تقف قرب الخربة و ترميك جثة هامدة ، فقد كنت عاريا مبتور العضو الذكري و اللسان ، مشوه الوجه ، مقطوع اليدين } ص 19في هذا المقطع إشارة واضحة للممارسات الوحشية التي تقوم بها الأجهزة القمعية ضد كل معارضيها .تلك الممارسات التي لا ينجو منها حتى الحيوان ، فقد اصدرت السلطات أمرا بضرورة اعتقال أو قتل كل كلب ابيض على جبهته غرة سوداء . يقول الكاتب { بعد ساعات من الإعلان وقف الناس بالطابور أمام مقر المديرية و كل منهم يحمل كلبا مقيدا أو مقتولا أملا في الحصول على الجائزة } ص20 .في هذه الرواية القصيرة أكثر من مشكلة اجتماعية و سياسية و نفسية و كان بإمكان الروائي  أن يتحدث عنها بإسهاب ، لأنها مشاكل اجتماعية و خطيرة جدا .

نجح الروائي في تسليط الضوء على ما يتعرض له السياسيين و فضح ممارسات السلطات القمعية في التعامل مع معارضيها.

 


مشاهدات 1056
الكاتب حسن الموسوي
أضيف 2023/11/03 - 3:26 PM
آخر تحديث 2024/12/05 - 5:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 85 الشهر 1842 الكلي 10057937
الوقت الآن
الخميس 2024/12/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير