إنقلاب النيجر وتباين المواقف
الصيد علي الصيد
أعلن في النيجر.. يوم 26 يوليو الماضي، إحتجاز الرئيس محمد بازوم، رفقة عائلته وبعض معاونيه، وتولى قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تشاني، مقاليد السلطة، تحت مسمى رئيس المجلس الوطنى لحماية الوطن.. برر الإنقلابيون إطاحتهم ببازوم: لإخفاقه أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
فرض حظر التجول وأغلقت الحدود وعُلِق عمل المؤسسات الحكومية، أياماً عدة، في خامس إنقلاب عسكري تشهده البلاد منذ نيلها الإستقلال العام 1960، بسكانها البالغين أربعة وعشرين مليون نسمة، ينتشرون على 1.270.000 كيلو متراً مربعاً من بين الدول الأفقر عالمياً ، ويشهد منذ أعوام تداعيات وهجمات تشنها مجموعات مسلحة وخاصة في منطقة المثلث الحدودي.. النيجر -مالي- بوركينافسو.
ألغى المجلس الوطنى لحماية الوطن إتفاقيتي تعاون عسكري.. يتيمتين.. مع فرنسا وبنين.. كل على حدة، وأنهى مهمات سفراء البلاد لدى فرنسا والولايات المتحدة ونيجيريا وتوغو، مبطلاً سريان ألف جواز سفر دبلوماسي.. قبض القادة الجدد على ثلاثة وزراء في حكومة الرئيس المخلوع، وأوعهم السجن، هم: همّا آدمو سولي.. وزير الداخلية، وأحمد جيدود.. وزير المالية، ومحمن ثاني محمدو.. إيسوفو وزير البترول؛ بحجة صلتهم بالفساد، إضافة الى سجن إثنين من كبار مسؤولي قيادة قوات الحرس الوطني، هما: العقيد ميدو جيري.. القائد الأعلى السابق لقوات الحرس الوطني، متهماً بالتوقيع على وثيقة تسمح للقوات الأجنبية بقصف القصر الرئاسي، وذلك خلال الساعات الأولى من الإنقلاب، والعقيد عليو ماتاني.. المنسق السابق للعمليات بقوات الحرس الوطني، والذي وضع رهن الإعتقال في سجن كوتوكالي شديد الحراسة، من دون تهمة.. حتى الآن.
وحظرت النيجر المجال الجوي أمام الطائرات الفرنسية أو الطائرات التي تستأجرها فرنسا، وبينها تلك العائدة إلى أسطول الخطوط الجوية الفرنسية.
وندد المجلس العسكري، بـتصرفات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، متهما إياه بأنه «عرقل» المشاركة الكاملة للنيجر في الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناءً عليه طلب من ممثلة الأمين العام مغادرة النيجر.
وأكد قادة الإنقلاب الجاهزية لمواجهة أي عدوان ضد بلادهم من جانب المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا.. إكواس التي تضم: غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر، ويبلغ مجموع سكان المجموعة نحو 350 مليون نسمة (إحصاءات 2021) وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17بالمئة من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.
وعلى المستوى الجماهيري إحتشدت أعداد هائلة من النيجريين قدرت بمئات الآلاف بالعاصمة نيامي، بمحاذاة القاعدة العسكرية الفرنسية وأمام السفارة الفرنسية للتنديد بتهديد المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا وفرنسا، وشوهد متظاهرون يلوّحون باعلام مالي وبركينافاسو وروسيا، مرددين هتافات مناهضة لفرنسا، ومع انتهاء المهلة التي منحتها «إيكواس» للمجلس العسكري بالنيجر لإعادة الرئيس بازوم إلى الحكم، ظهر إنقسام إفريقي حول مبدأ إقرار التدخل العسكري، حيث ساند هذا الخيار نيجريا وبنين وساحل العاج وغانا والسنغال وعارضته دول عدة في القارة وتفاوت موقف دول الجوار السبعة ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، حيث تقود الجارتان نيجريا وبنين التوجه إلى التدخل، والجارتان مالي وبوركينافاسو، جزء من تحالف عسكري مع النيجر ما بعد الإنقلاب، وإعتبرتا الدعوة للتدخل بمثابة إعلان حرب يشملهما، وتعارض الجارتان الجزائر وتشاد التدخل العسكري ويؤيدان العودة للشرعية الدستورية، ويتفقان في ذلك مع الجارة ليبيا التي ينحدر منها الرئيس المعزول في جذوره العرقية.، وتلمح التوجو غير الجارة في موقفها إلى إعطاء الأولوية للحوار مع مالي وبركينافاسو والنيجر .
وبعد مضي ثلاثة أشهر على الإنقلاب، وفي خضم التهديد والوعيد من المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا، وبالرغم من إعلان الإتحاد الأفريقي تعليق عضوية النيجر في جميع أنشطته بسبب الإنقلاب العسكري، ودعوة كل الدول الأعضاء في الاتحاد والمجتمع الدولي للإمتناع عن أي عمل من شأنه أن يضفي الشرعية على المجلس العسكري في النيجر، وتبنى الإتحاد الأوربي إطار عقوبات على أعضاء المجلس العسكري.
وفي ظل تعارض مصالح الدول المهتمة بالشأن النيجيري وقوة الزخم الشعبي يتبين أن البوصلة تتجه إلى التعامل مع… بقاء الوضع على ما هو عليه.. بازوم حي معزول والإنقلابيون محاصرون في طوق عزلة تخنق الشعب النيجيري، و... حليبة حليبة مهما خضضتها لن تعطي زبدة!وببقاء الحال مفتوحة على الرسائل الإحتمالية.. إنسحاب الجيش الفرنسي من النيجر، وإعتراف أمريكا بالحكومة الإنقلابية، والوساطة الجزائرية، كلها محمولات تغلفها موضوعات إشكالوية ملتبسة،