أفريقيا تصحيح أم إنقلابات ؟
جاسم مراد
ليس مصادفة أن يحدث في افريقيا تغيرات سياسية ، في أربعة دول هي ، مالي وبوركينا فاسو والنيجر والغابون ، وبغض النظر عن المواقف المؤيدة وتلك التي تهدد بالرد العسكري بحجة عودة النظم الرسمية _ المنتخبة _ والكل يعرف أو البعض من الكل إن كثيراً من الانتخابات لم تجري على وفق الرغبة الشعبية العامة وإنما وفق رغبات خارجية وتزوير داخلي ، وهذا الأمر لا ينطبق على افريقيا وحدها وإنما معظم الدول الاسيوية ، فمصالح الشركات وبعض الشخصيات الحاكمة والدول الأجنبية تلتقي جميعها على هدف الاستحواذ على السلطة والموارد والاهداف الاستراجية .
ففي النيجر كما في غيرها ، تمتلك من الموارد قل نظيرها ، مثل الذهب واليورانيوم والنفط وغيرها، إلا إن شعبها القليل السكان يعيش تحت خط الفقر أو بالأحرى الفقر ذاته ، فيما كان يتولى الحكم عليها لمدة _ 50_ عاماً رئيس جاء بالوراثة ، لا يقوى حتى على المشي لعشرة امتار فقط ، وقد شاهدنا عند زيارته لفرنسا كان يسنده الرئيس الفرنسي لكي يعبر الخطوات القليلة نحو القصر الفرنسي ، هذا الوضع كشف كيفية تدار مصالح النيجر وكيف تستغل الشركات الفرنسية والغربية تلك الموارد على مدار اكثر من _ 50_ عاماً في الوقت الذي لا يسمح فيه للمعارضة المدنية بإدارة الدولة ، ولا هناك إمكانية لعبور النيجر نحو طريق معالجة الفقر المدقع للشعب .
انقلاب عسكري
وعلى أساس هذا الوضع حدث الانقلاب العسكري الذي قاده حرس الرئيس ذاته والقوات الساندة له، وقادة الانقلاب أو بالأحرى قادة التصحيح والتغيير حضي بدعم شعبي واسع ، وعبر قادة التصحيح عن موقفهم في البقاء في السلطة عدة اشهر ثم تجرى انتخابات لتأسيس نظام مدني يقوده من يفوز بالانتخابات ، وهذا الطرح السياسي لقادة التغيير منطقي وعقلاني ، ولكن ما يثير التساؤل لماذا تحشد بعض الدول الافريقية في منظمة ايكواس جيوشها لغزو النيجر لا سقاط النظام الوليد ، ولماذا لم تستمع هذه الدول للموقف الشعبي العارم المؤيد للتصحيح ، ثم ألم تدرك هذه الأطراف من إن أي عدوان عسكري ضد النيجر سيؤدي الى معارك طاحنة يمتد للعديد من الدول سيما وان مالي وبوركينا فاسو أعلنتا استعدادهما للقتال مع جيش النيجر في خندق واحد . كان الموقف الجزائري اكثر رصانة في رفض العمل العسكري ومعالجة الأمور بالطرق الدبلوماسية والسياسية ، ولكن يبقى الموقف الفرنسي الرافض لكل الحلول ماعدا عودة الرئيس المريض الى الحكم ، وهذا الموقف دفع بالجماهير الى محاصرة السفارة والقوات الفرنسية بالنيجر ومطالبتها بالرحيل .
إن افريقيا الغنية بالموارد والمنهوبة من الشركات والدول الغربية ، فهي قادمة شاء من شاء وابى من ابى نحو مجموعة من التغييرات الجوسياسية ، وان الغرب وفرنسا تحديدا التي ادارت سياسات هذا البلد لسنوات طويلة عليها أن تعترف بتلك التغيرات وتبني علاقات على أساس المساوات والمصالح المشتركة بينها وبين افريقيا ، فلم يعد بالإمكان بعد هذه التغيرات التصحيحية لأربعة بلدان افريقية خلال شهور قليلة أن يقبل الشعب الافريقي الذي تحتوي بلدانه على اهم الموارد في العالم وهو يرزح تحت نير الفقر والجوع والامراض ، لن يقبل الحكام بالوكالة ولا يقبل التهديدات وهو ماض نحو الخلاص والتحرر ، سيما وان الشعوب الافريقية ومعها شعوب العالم باتت تدرك بأن سياسات فرض السيطرة الغربية وحكم القطب الواحد لم تعد تنسجم مع مجمل التطورات العالمية وان التعددية الطبية في حالة تشكل وهي قادمة لامحالة ، وعندما يرفع الشعب النيجري العلم الروسي أمام السفارة الفرنسية فهو يستنتج بأن الحرب الروسية الاكرونية هي عامل الفصل بسقوط القطبية ، لذلك بات التوجه نحو الصين وروسيا ، ومن لا يقرأ هذه التحولات ويبقى بالمنطقة الرمادية فهو الخاسر.
إن قضية الإرهاب ومحاربته هو الشماعة التي تهدد بها أوروبا وامريكا دول العالم ، والكل يعرف مصادر الإرهاب وتاثيراته في العديد من دول العالم ، وبالتالي فأن الدول الافريقية إذا ما تحررت فهي قادرة فعليا مع كل المخلصين في هذه المعمورة على وأد الإرهاب ، ولكن الجميع يعلم أن الجوع ونهب ثروات الشعوب هو الأخطر من الإرهاب ، بل هو الإرهاب بعينه ..