المشروع الوطني لتعليم اللغة الإنكليزية في العراق.. رافعة إستراتيجية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية
همام طه
تزدهر الاقتصادات مع ازدياد قدرة المجتمعات على التكيّف مع التحوّلات الاجتماعية والتقنية والثقافية والحضارية في العالم. ويؤدي تعلّم اللغات عموماً، ومنها اللغة الإنجليزية، دوراً حيوياً في إثراء الخيال والإبداع والمعارف التي تؤثر بدورها إيجابياً على تقدم وازدهار للبلدان. إن أهمية اللغة الإنجليزية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي حقيقة راسخة لأن هذه اللغة توفر أداة الاتصال العالمية الأكثر فاعلية في الوقت الراهن. ويمكن للمجتمع البشري استخدام هذه الأداة الفعّالة في بناء المهارات الحياتية وتوليد الأفكار والابتكار وخلق فرص العمل وإنشاء الصناعات وتطوير التعليم وقطاع الأعمال وبالتالي تحفيز الأنشطة الاقتصادية (1).
ولذلك فإن تعليم اللغة الإنجليزية لعموم السكان وللشباب تحديداً في العراق هو رافعة أساسية من روافع التنمية الاقتصادية والتحديث الاجتماعي والتحوّل الثقافي والانتقال الحضاري ومن المفترض أن يحتل أولوية ضمن الأجندة الوطنية للعبور إلى المستقبل.
الأسباب الموجبة لفتح دورات تدريبية عامة لتعليم اللغة الإنجليزية على مستوى العراق (2):
-1 كسر الحاجز النفسي بين الفرد العراقي واللغة الإنجليزية:
بمعنى تحويل هذه اللغة إلى لغة متداولة ومألوفة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليم والعمل والعلاقات والتفكير. وأن يكون الهدف من تعميم تعليم الإنجليزية التنمية الثقافية الحقيقية وليس الوجاهة الاجتماعية أو الارتقاء الطبقي الشكلي.
-2 إلهام الشباب وإنعاش آمالهم في المستقبل:
تقديم البديل
إن عدم قدرة الدولة على توفير فرص عمل في القطاعين العام والخاص لا يعني عجزها عن تقديم البديل عن التوظيف وهو التدريب وبناء القدرات وتطوير المهارات، فاللغة الإنجليزية مهارة أساسية للحصول على وظيفة في هذا العصر، والدولة العراقية بإمكانها أن تقدم هذه المهارة للشباب لتهيئتهم لسوق العمل من خلال مشروع وطني كبير لتحفيز تعلّم هذه اللغة. كما يؤدي هذا المشروع دوراً في الاستقرار السياسي والاجتماعي لأنه يسهم في تهدئة الخريجين والخريجات المنتظرين لفرص العمل.
-3 بناء قدرات الشباب:
تتضمن هذه الفقرة تزويد الشباب بمهارة أساسية في الحياة العلمية والمهنية والاجتماعية، والارتقاء بنوعية رأس المال البشري في العراق. فالإنسان هو أغلى ثروة يمتلكها العراق، وخلق المعرفة والمهارات هو أكثر الاستثمارات ربحية وجدوى من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
-4 الاندماج الاقتصادي العالمي:
تمنح اللغة الإنجليزية الأفراد القدرة على الاتصال وبالتالي تعطي الاقتصاد العراقي القابلية للاندماج ضمن المنظومة الاقتصادية العالمية. اللغة الإنجليزية لغة عالمية، ويتم استخدام اللغة الإنجليزية من قبل حوالي 1.75 مليار شخص حول العالم - أي واحد من كل أربعة! إن منافع التحدث باللغة الإنجليزية لا تقتصر فقط على القدرة على التواصل مع الناطقين باللغة الإنجليزية بل مع الأجانب بصورة عامة؛ الأمر الذي يجعل تعلّم الإنجليزية حيوياً للاقتصاد العراقي في عصر السماء المفتوحة ولتطوير السياحة وجذب الاستثمارات وتسويق المنتجات العراقية وبناء الروابط التجارية وتعزيز التنافسية.
-5 الالتحاق باقتصاد المعرفة:
إن تعليم اللغة الإنجليزية يمكن أن يساعد الشباب في الحصول على وظائف في عصر «اقتصاد المعرفة» حيث تعد المعرفة في ضوء هذا المفهوم المورد الأهم للأفراد والمجتمعات والمؤسسات وتلعب القدرات المعرفية التي يمتلكها الإنسان الدور الأكبر في زيادة الإنتاج والابتكار والتطوير وخلق الفرص وفتح الآفاق للصناعة والتجارة والزراعة والخدمات. ويمكن القول بدون مبالغة إن اللغة الإنجليزية هي لغة اقتصاد المعرفة لأنها اللغة المستخدمة على نطاق واسع في صناعة وإنتاج وإدارة المعرفة والأفكار وتطويرها وتداولها واستهلاكها وإعادة إنتاجها.
6- الدراسة الجامعية:
مع الإلمام باللغة الإنجليزية، يمكن تحسين الفرص الجامعية أمام الشباب الراغبين في الدراسة بالخارج، فعندما تكون معرفة اللغة الإنجليزية شائعة في المجتمع العراقي وبين الشباب، وعندما يكون تعلّمها متاحاً ومدعوماً من الدولة فإن توجهات الدراسة في الخارج لدى الشاب العراقي والشابة العراقية ستتغير لصالح الجامعات الأكثر رصانة كما أن نوعية المعرفة التي سيتحصل عليها الطلبة ستكون أفضل من حيث الجدارة العلمية. بالإضافة إلى ذلك، تقع العديد من الجامعات المرموقة في العالم في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا.
7- التفاعل الثقافي:
اللغة الإنجليزية هي لغة صناعة الإعلام ولذلك هي ضرورية للانفتاح الثقافي للمجتمع العراقي. إذا كان الفرد يتحدث الإنجليزية، أو لديه إلمام بها، فسيكون أكثر قدرة على التفاعل مع المحتوى الإعلامي والدرامي والثقافي والسينمائي والفني والغنائي والموسيقي الذي يُنتج في العالم المعاصر لا سيما في ظل الانفتاح التكنولوجي. وهذا سينسحب على المهن والتخصصات والوظائف حيث سيكون الشباب العراقي أكثر قدرة على تطوير أنفسهم في مجالات الحياة والعمل المختلفة من خلال استخدام اللغة الإنجليزية ومهاراتها (الكتابة، القراءة، التحدث، والإصغاء). تُوفر اللغة الإنجليزية لأفراد المجتمع القدرة على اكتساب المعرفة المعاصرة من مصادرها الأصلية بصورة مباشرة وبالتالي تسهم في عملية التبادل الثقافي والتلاقح المعرفي مع دول العالم المختلفة لا سيما الناطقة باللغة الإنجليزية.
-8 اللغة الإنجليزية هي لغة الإنترنت والعلوم والتكنولوجيا:
إن أعلى نسبة من المحتوى على الإنترنت تتمثل في المحتوى المكتوب باللغة الإنجليزية. وحين يمسك المجتمع بزمام اللغة الإنجليزية ويتمكن من استعمالها في الحياة اليومية أو للأغراض المهنية والأكاديمية والعلمية والدراسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية فإنه بذلك يكون مؤهلاً للنمو والتطور والانفتاح لأن هذه اللغة هي أحد أهم عناصر رأس المال الفكري في المجتمع. ومعرفة هذه اللغة ترفع من قيمة وكفاءة وجودة رأس المال البشري والموارد البشرية في المجتمع وتعزز لديه القوة الناعمة والميزة التنافسية على صعيد استقطاب الاستثمارات.
-9 اللغة الإنجليزية مهمة في زيادة الكفاءة اللغوية في اللغات المختلفة والنمو الفكري وصحة الدماغ:
اسهل اللغات
بشكل عام، اللغة الإنجليزية هي واحدة من أسهل اللغات التي يمكن تعلمها بأبجديتها البسيطة. وبمجرد إتقان اللغة الإنجليزية، سيكون الفرد قد طوّر قدرات وممارسات لم تكن لديه من قبل. وستنتقل هذه المهارات إلى أي لغة أخرى يتعلمها بما في ذلك اللغة العربية التي يتكلم بها غالبية المجتمع العراقي وبالتالي تطوير الكفاءة اللغوية والقدرة على توليد الأفكار لأن اللغة تطوّر الفكر كما أن الفكر يطوّر اللغة. واللغة تطوّر الثقافة كما أن الثقافة تطوّر اللغة. إن تعلّم اللغة الإنجليزية أو أي لغة أجنبية يحسّن من صحة الدماغ بفعل المرونة العصبية التي يتمتع بها الدماغ وبالتالي يمكن الارتقاء بطريقة تفكير أفراد المجتمع وذكائه من خلال تعليم اللغة الإنجليزية.
-10 المواطنة العالمية:
إن معرفة اللغة الإنجليزية تجعل من الإنسان العراقي مواطناً عالمياً قادراً على التفاعل والتواصل مع الأفراد من مختلف المجتمعات والثقافات في إطار المواطنة الكونية. فحتى حتى لو سافر إلى بلد ليست اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية فيه، فمن المحتمل أن اللغة الإنجليزية ستظل تُستخدم كأداة للتواصل أثناء وجوده في ذلك البلد.
-11 اللغة الإنجليزية تمكّن الفرد من أن يتعلّم أكثر من مجرد اللغة:
ستسمح المعرفة الجيدة باللغة الإنجليزية لأفراد المجتمع العراقي بالتطوّر ذهنياً ومعرفياً وثقافياً وذوقياً وسلوكياً من خلال الانفتاح على حضارات وثقافات وشعوب ناطقة بالإنجليزية والاطلاع على تاريخها وحاضرها وسياستها واقتصادها وأساليب حياتها. لذلك، من خلال معرفة اللغة الإنجليزية، فإن الإنسان يفتح الباب أمام عالم واسع من المعلومات والمعرفة والقيم والأفكار والمفاهيم الجديدة! وعليه، تلعب اللغة الإنجليزية دوراً أساسياً في التحديث الاجتماعي وإحداث تغييرات بنيوية في المجتمع بما يجعله أكثر قدرة على التكيّف الحضاري في عالم متغيّر.
-12 التنمية الثقافية:
إن الهدف من هذا المشروع هو إحداث تغيير إيجابي حقيقي في البنية المعرفية والثقافية للمجتمع العراقي ليكون أكثر قدرة على التكيّف مع التحوّلات الحضارية الجارية في العالم المعاصر. وبالتالي إحداث تغيير في طريقة تفكير الفرد العراقي باتجاه قبول التنوّع والتعددية والتفكير بطريقة عالمية تنعكس بصورة مثمرة على الأوضاع المحلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل العراق.
آليات تنفيذ المشروع:
-1 يمكن أن تضطلع وزارة الثقافة بهذا المشروع من خلال دار المأمون للترجمة والنشر وبالتعاون مع كليات اللغات والآداب والتربية التابعة لوزارة التعليم العالي. وكذلك بالتعاون مع وزارات التربية والشباب والرياضة والدفاع والوزارات الأخرى.
-2 إقامة دورات لغة إنجليزية في الوزارات كافة للموظفين والموظفات، وفي وزارتي الدفاع والداخلية للمنتسبين والمنتسبات.
-3 إقامة دورات عامة بأسعار مدعومة للمواطنين والمواطنات من مختلف الأعمار، وتوظيف الإنترنت وموقع اليوتيوب في بث محاضرات الدورات لشمول أكبر عدد من المستفيدين والمستفيدات ولتقليل النفقات على الدولة وعلى الدارسين.
4- يمكن أن تنتدب الأمانة العامة لمجلس الوزراء كل موظفي وموظفات الدولة من خريجي وخريجات قسم اللغة الإنجليزية وتنسيبهم للعمل كمدربين ومدربات في هذا المشروع الوطني التنموي الكبير.
5- تطبيق ممارسة «الصف المفتوح» حيث يتاح للمتدربين والمتدربات حضور محاضرات اللغة الإنجليزية في كليات الآداب واللغات والتربية في الجامعات مع الطلبة.
6- تصميم الاختبار الوطني العراقي لتحديد المستوى في اللغة الإنجليزية، حيث يمكن من خلال هذا الاختبار أن يحدّد الدارس مستواه والدورة التي يحتاجها.
7- إقامة دورات تعليم اللغة الإنجليزية للأغراض الأكاديمية لأساتذة الجامعات.
8- تشكيل اللجنة الوطنية العليا لتعليم اللغة الإنجليزية للتخطيط والإشراف على المشروع، وتضم هذه اللجنة أساتذة وأستاذات لغة إنجليزية من الجامعات العراقية وتنبثق عنها لجنة في كل محافظة.
المصادر:
(1) “THE ECONOMICS OF ENGLISH LANGUAGE”/Dr. M S Lekha and Dr. K. Kanthimathi. Shrimathi Devkunvar Nanalal Bhatt Vaishnav College for Women, Chromepet,Chennai.
(2)”Why it’s important to learn English” /Cheryl Rumsey. https://www.studiocambridge.co.uk/