الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شكراً وزير العدل

بواسطة azzaman

شكراً وزير العدل

عمار طاهر

 

مبادرة رائعة أقدم  عليها وزير العدل الدكتور خالد شواني، فقد أرسى من أعماق السجون أسس (الحرية)، وهو اسم قاعة جديدة للمؤتمرات العلمية، والندوات، وورش العمل في كلية الإعلام بجامعة بغداد، إذ تكفل بتقديم مقاعد فاخرة لها من إنتاج سجن البصرة، تاركا بصمة للسجناء في أم الجامعات، هؤلاء الحاضرون الغائبون في كل مناسبة أو كرنفال أو تجمع.

ويبدو أن هذا الوزير عراقي بامتياز، فهو عابر للمصطلحات السياسية الطارئة، يؤمن أن الرئاسة الحقة وسيلة لخدمة الأخرين، وأن المناصب ليست هي من تشرّف الرجال، بل الرجال هم الذين يشرّفونها عبر الجهد الوطني، والعمق الإنساني، وخدمة البلد.

والموضوع لا يتعدى ببعده الرمزي إهداء مقاعد لمؤسسة أكاديمية، فهو يشير الى أبعاد كثيرة، ابرزها أن هذا الوزير يسعى لتغيير مفهوم السجن والسجان في أدبيات الحبس، وفي أعراف الحجز والإفراج، وعلينا استنادا الى هذه التجربة أن نعيد النظر في السجن والسجان والسجين معاً ؛ لأن هناك ثالوثاً جديداً يفترض أن يحل في الواقع واللغة، وثقافة المستقبل.

فالصورة النمطية عن السجون العراقية عبارة عن مرتع للصوص، والمدمنين، وشذاذ الأفاق، وتبدو كأنها مدارس تأهل المجرمين، وتطلقهم لإفساد المجتمع، وهي صورة لا تختلف عن نظيراتها في اغلب دول العالم  ، إذ تتحول السجون وما يجري فيها من مآسي  وجرائم الى رموز كبيرة في الذاكرة الإنسانية، فهي الباستيل الفرنسي وبيت الأموات كما وصفها دوستويفسكي في مذكراته، ذات راوية خالدة.     

هذه الصورة المشوهة يحاول وزير العدل أن يبددها عن طريق المبادرات المجتمعية.. ويعيد تشكيلها في أذهان الناس، لتكون السجون حقا دارا لإعادة التأهيل والإصلاح، وإحياء الحرف الخلاقة، بعد أن قتلتها الوظائف الحكومية التي أضحت اسما مستعارا للبطالة المقنعة. السجون الخطيرة غدت مشغلا كبيرة، يؤهل النزلاء، ويعلمهم صنعة مبدعة، توفر لهم رزقا حلالا، وحياة أخرى تختلف عن مرحلة ما قبل الحبس، تجعلهم في نقطة شروع جديدة، وتمكنهم من العيش الكريم، بعد أن قضوا خلف قضبان الصبر، شهور وسنوات العدالةالملفت للانتباه في مقاعد الحرية الجودة العالية لصناعة السجون، فهي تضاهي المنتوجات المستوردة، من حيث المتانة والأناقة والشكل الجميل، فهي مطابقة للمواصفات، ومحققة للمقاييس المطلوبة، وتمنح ضمان خمسة أعوام، وبأسعار اقل بكثير من الأسواق المحلية. نتطلع أن تتحول السجون العراقية، ولاسيما إصلاحيات الأحداث الى معاهد فنية، ومدارس حرفية، لتتبدد تلك الصورة المفعمة بالبغض والكراهية، ونعيد إنتاج الواقع بمهارة وإتقان، بوجود رجال شجعان، مثل هذا الوزير المواطن خالد شواني، الذي يبدو أنه يؤمن بأن العمر لا يقاس بعدد الأيام، بل بما يقدمه المرء من أعمال كانت جديرة باحترام الناس.

 

 

 


مشاهدات 1052
الكاتب عمار طاهر
أضيف 2023/09/16 - 10:51 PM
آخر تحديث 2024/12/27 - 2:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 458 الشهر 12922 الكلي 10069017
الوقت الآن
الأحد 2024/12/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير