شعرية لونية في معرض النقيب

الموصل - هدير الجبوري - فخري أمين

(مطالعة في أعمال المعرض الأخير للفنان احمد دخيل النقيب (اللوحة القصيدة أو القصيدة اللوحة) على صالة المعهد الثقافي الفرنسي في الموصل)، ربما تضمنت عملية التوقيع التشكيلي على القصيدة في مشغل الفنان نوعا من الاستحواذ الفني، كما يحدث في تجارب أخرى حين يقدم رسام ما معادلا تشكيليا لبيت من قصيدة نتيجة تأثره به، لكن المشاهدات في المعرض تُظهر أن القصيدة هي التي أسلمت نفسها طواعية إلى فرشاته، وأن ثمة تواطؤا أو اتفاقا بين الفنان والشعراء. في محاولته لدمج الرسم بالأعمال الشعرية سعى الفنان إلى إبراز الجانب التصويري للكتابة في الفن كأحد العناصر المهمة التي تربط بين اللوحة والنص، مستلهما تشكيلاته من روح تلك القصائد، وتوليفاته من علاماتها، وألوانه من أجوائها، لكي يتحول الشكل البصري إلى مضمون نصي متناغم. تمتزج حروف القصيدة في أعماله امتزاجا بصريا مع مكونات اللوحة، مساحاتها، وتجاورها اللوني، فينتج عن ذلك نص جديد، كائن فني جديد يمكن أن نسميه القصيدة اللوحة أو اللوحة القصيدة، يتألف من نسيج متوازن ومتداخل بين الرسم والكلمة. تُخط باللون والمساحات كلمات الشعراء محققة في النص الجديد انبثاقا جديدا، نوعا من تحليق، أجنحته غنائية موسيقية، نابعة من انسيابية رسم الفنان للحرف والكلمة، ومؤثرات اللون والمساحات، وعلاقته الذوقية الوجدية بكل هذه المكونات. في المعاينة المعمقة لأعمال المعرض يحدث أمر ما، شيء من سماع لوحات، وضرب من مشاهدة قصائد. بقدر كون الكلمة كتابة خطية والرسم تخطيطا خطيا فإن اجتماعهما معا في أعماله يحققان جمالا إضافيا، مبعثه حميمية الصلة بين الرسم والشعر. الرسم شعر صامت والشعر رسم ناطق/ سيمونيدز. إن هذا التفاعل في العلاقة بين الرسام والشاعر كان حاضرا في المعرض، ومحتدما، على نحو جعل الفنان رائيا، لم تكن لوحاته رسما خالصا، كما أن معظم قصائد الشعراء لم تكن شعرا، وإنما رؤى. أعتقد أن الكتابة لدى الشعراء كما هو حال الرسم لدى الرسام  مسألة رؤية أكثر مما هي تقنية. وهو واحد من الدروس الإبداعية والنظرية المهمة المسجلة في هذا المعرض.