الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحي الصوفي في كل مدينة

بواسطة azzaman

الحي الصوفي في كل مدينة

 

نعيم عبد مهلهل

 

الصوفية في رؤيتها هي سياحة روحية .وفي احلامها هي الوصول الى البعيد وفي مبادئها ، ان تكون مع ما تود حتى قبل ان تكون شاعرا او تجتهد .

وكانت تكيات بغداد حين بدأ الصوفيون يصنعون بهجة تأملاتهم وصباحاتهم تعج بشيوخ وشاب غلبهم صمت الغائب واتدوا من اجلهم ثيابا خشنة كانوا لا يشترونها لانهم نادرا ما يتعاملون بالنقد ، وربما كانت تهدى اليهم من الجوامع او النساجين او شاهبندرية التجار .ولم اقرأ ان خليفة او وال انعم على صوفي وقربه ،وحتى عندما يقربه تناله وشاية ما فيضطر الخليفة الى صلب الصوفي او اعادته الى تشرد تكية روحه حتى يموت.

لقد عاشوا في عصر صنعته المتغيرات الحضارية التي اتت بنمط جديد من العيش حين تحولت الرفاهية في العصر العباسية الى بوح شاسع وملون وبين اقلية ضئيلة ليس بالضرورة ان تنتمي للعروبة فبعض الاصول كانت فارسية او تركية اتت من التناسل بين الخلفاء وجواريهم او سبايا الحروب ، فظهرت ردة الفعل بعضها ثورات وبعضها طرائق صوفية وبعضها رسائل فكرية او فلسفية.

وكانت الصوفية فكرا تأمليا ونشوة شعرية وسلوكا متفردا ونادرا في الظهور بين الناس ، تنتمي الى افراد ثم استطابت اليها الانفس بالرغم من خطورة الانتماء اليها اذ كان درس صلب الحلاج قاسيا وبشعا وتأمريا ،ولكنها انتشرت لتتحول من تكيات الى مدارس وشعائر وطقوس ومذهب في السلوك والتفكير والنظر الى الخالق بقلب عاشق وليس بقلب خافق وهذا ما أوخذ عليهم وتم تصفيتهم بسببه.

الصوفية حالة من النقاء الذهني والبقاء مع النفس مع كل زمان كانت وما زالت هي النفس حين تريد الابتعاد عن حزن والم العالم المادي واللجوء الى عالم نغيب فيه ونشعر اننا سعداء.

واشعر ان الحاجة الى السلوك الصوفي حتى لو بقواعد بسيطة تنحصر في الذائقة والفكر والسلوك هي من بعض حاجتنا لابتعاد عن عولمة وأمكنة صنعت فينا فوضى الحواس على حد واحد من عناوين احلام مستغانمي ، هذه الفوضى التي بدأت تخرب فينا المنابع الاصلية لهاجس التوحد والتفكير لتخلق بدلها دخان السيارات وفوضى السياسة وزعيق مجنزرات الدبابات المحتلة والنظر الى ما يكسبه اللصوص والمتاجرين باطلا بأحلام الناس ، ومن بين فوضى ما يحدث ان العولمة الجديدة عبر غول جديد اسمه الانترنيت ومواقعه الاجتماعية صنعة طبقة نفعية ومشهورة ولكن من دون ثقافة.

لهذا اصبحت الحاجة الى العيش بمشاعر الصوفية شيئا من علاج مجتمعي وثقافي .ولا اقصد هنا ان تكون الصوفية سلوكا ومذهبا اجتماعيا وروحيا يطبق ما كان يمارسه متصوفة بغداد ومراكش ودمشق والقاهرة والمدينة والكوفة واصفهان وتبريز والاستانة وسمر قند ، بل اتمناها جزء من رفاهية بعض اوقات اسابيعنا وفصولنا ، عيش تأملي في مكان تخصصه البلديات والحكومات المحلية وامانة العاصمة ليكون مكانا لممارسة تلك الطقوس النبيلة ليس بشكلها القديم وممارساته ولباسه بل بأرائك الهدوء والقراءة والموسيقى وان نبعد كل شيء يمت الى فوضى صخب الحياة التي اوجعت حضارتها روح الصوفية وجعلته يتمنى ان تعود ثانية رؤيا خازوق الصلب وعباءة العود الخشنة.حي صوفي في كل مدينة .يذكرنا بان الغرب اراد ان يقلد الامر فصنع ظاهرة الهيبيز ،لكن الفرق بينهم وبين الصوفيين .انهم كانوا يعيشون الطيش والحشيش والاختلاط الماجن لافتة رفض ضد الحضارة الجديدة فيما عيش الصوفيين كان تأملات ضائعة والبحث عن صورة الاخيلية البعيدة ثم نطق الشعر حتى لو كانت شمس نهار الصيف لهيبا.


مشاهدات 405
أضيف 2023/03/21 - 4:39 PM
آخر تحديث 2024/07/17 - 4:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 277 الشهر 7845 الكلي 9369917
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير