الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجارة النبيلة

بواسطة azzaman

الجارة النبيلة

 

جلست القرفصاء على أريكة قديمة قرب الموقد في بهو المنزل ، الساعة قاربت على الثانية عشرة ليلا ، كان ليلا ثلجيا، ترتعش له الفرائص، نسمات الهواء الباردة تهب من الفناء الخلفي للمنزل، أسرعت لإغلاق النوافذ ، تلتحف بمعطف رمادي بال ، مرقع من عدة زوايا جانبية ، سانام في الحجرة التي في الطابق العلوي ، كلا، البرد قارس اكثر هناك ، رددت في ذاتها وهي تعود إلى البهو الواسع الذي سرعان ما ازدان بالدفء من حرارة الموقد فشعرت جسيكا بالارتياح يسري في كامل جسدها ، تحتضن كلبها، في مثل تلك الليالي الباردة كانت تتوسط أبنائها ، يلفهم الحب والعطف . يتبادلون الأحاديث الجميلة . تصنع لهم اطباقها الشهية . يلتهمونه بحميمية،

تستلقي بجسدها النحيل كنخلة عتيقة على الأريكة . تتطلع إلى جمرات الموقد الملتهبة ، لم هي وحيدة هكذا في مدينتها ؟ لماذا لم يبق لها سوى الذكرى التي تنهش بها ، لمن تعيش ايامها ؟ لا أبناء لها ، الهجرة سرقتهم . ارتحلوا وتركوا فيها الحزن متقدا في قلبها . هي لا تريد أن تنسى. لا تسطيع ان تقاوم حنينها . حبها. الجارة التي كانت تطرد عنها وحشتها توفيت قبل أسبوع ، رائحة الوحدة تملئ أركان المنزل كأنه مهجور رغم وجودها الدائم فيه ، صندوق خشبي قديم مرصع بحبات لؤلؤ ملونة ، تشع بريقا ، هناك أبناؤها نائمون منذ أعوام ، صورهم يبعث فيها شيئا من الأمل ، تتعلق بخيوطه الذابلة ، تتسلقه ببطء فقد احنت السنين شبابها الفاتن لم يبق لها إلا هذه الصور الفانية ، ستموت بلا شك كجارتها النبيلة ، كوابيس تداهم نومها ، البرد يزداد شدة ، أصوات الرعد والبرق في الخارج تهز الجو رعبا ، تتنفس بضيق ، كادت تقول لهم اقتلوني قبل ان ترحلوا، لماذا لم تصرخ بهم ، تستنجد، أن ينقذوا وحدتها ، انتفض جسدها الهزيل في الغطاء ، وماتت في عتمة الليل الكئيب.

 

 

سرور العلي


مشاهدات 644
أضيف 2017/06/14 - 5:28 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 5:22 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 382 الشهر 7950 الكلي 9370022
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير