مسرح الشارع يعتمد فضاءات مفتوحة لرصد هموم الناس
الناصرية - حيدر كاطع المرشدي
في الشارع تبدأ الحكايات ، ومن الشارع تبدأ الثورات وتطرح القضايا و المواضيع . فلطالما كان الشارع ملجأ المعارضينن للمطالبة بحقوقهم و الدفاع عن قضايهم مسرح الشارع هو مسرح القضايا الاجتماعية ، مسرح من الشعب و الى الشعب .هو شكل من أشكال الأداء التمثيلي والعرض المسرحي في الأماكن العامة وفي الفضاءات المفتوحة ولا تشترط دفع جمهور محدد ومعين ، ويمكن أن تقام في أماكن عدة مثل مراكز التسوق ، مواقف السيارات ، الحدائق العامة ، زوايا الشوارع ، ويحبذ أن تكون في الأماكن التي تستطيع جمع أعداد غفيرة من الناس استغل الأمريكان مسرح الشارع غالبا للترويج للمسرح العادي أو لبعض الفرق ، واستغلوها كذلك للدعاية الإعلانية لمنتج أو لحفلة أو لعرض مسرحي وكذلك أثناء المد الشيوعي استغل المسرح كسائر الفنون الأخرى لإحداث الوعي الاجتماعي والسياسي في المتلقي ولدفع حركة المجتمع نحو العدالة الاجتماعية ؛ فاستغلت الطبقات العمالية المسرح في بريطانيا وأمريكا والهند لتوعية الناس بحقوقهم وواجباتهم .
التاريخ يقول أن مسرح الشارع بدأ على عربة “فيسبيس” وهو المسرحي الأول في تاريخ المسرح اليوناني، “اسخوليوس كان المسرح حينها جوّالاً ويعرض في الطرقات، ولكن الولادة الثانية للمسرح بدأت بساحات القرى والطرقات والشوارع في أوربا، ثم جاء هذا المسرح إلى الكنيسة على أيدي الرهبان، ليتم فيه عرض قصة السيد المسيح، ثم تم الفصل بينه وبين الكنيسة، ليخرج إلى ساحات المدن الكبرى والقرى. من أهم الفرق الجوّالة المعروفة في العالم التي ظهرت في القرن الخامس عشر في أوروبا هي فرقة “ماي تنغس” حيث كانت تقدم كل العروض المسرحيّة من الجاد والكوميدي، ثم تطور هذا المسرح ليعم العالم، فأصبح في كل دولة في العالم على الأقل فرقة تسمّى فرقة المسرح الجوّال.
مسرح الشّارع نوعان منه من يستخدم العربات، وهي عربات مفتوحة على كل الجهات حيث يقدّم العرض محمولاً على عربة وهو موجود في كل دول العالم، وهو فرق تشغل تبعيات العرض المسرحي وتنقل من مكان إلى آخر وتجول، والنّوع الآخر هو عرض مسرحي من أساس التّصميم يصنع ليقدّم في الشّارع، وهناك عروض مسرحيّة متّعدّدة.
تصميمات حركية
مسرح الشّارع لا يحتاج إلى ديكور أو إضاءة أو موسيقا، والتصميمات الحركيّة تكون من داخل العرض، فالإضاءة هي الإضاءة العامة الصّالحة لكافّة المشاهد، والدّيكور يتبدل مع الحركة ولا يحتاج إلى مناظر وكتل، والملابس يتم تبديلها أمام الجمهور ضمن اللعبة الفنيّة، والموسيقا تكون من داخل العرض ويؤدّيها الممثلين ولا تحتاج إلى جهاز صوت، حيث تستخدم الإيقاعات الحيّة والغناء الحيّ، وكل ذلك يؤدّى ضمن الحالة الفطرية، كما أنّ مسرح الشّارع يتماهى مع المكان الذي يعرض فيه فهذا المسرح يذهب إلى الجمهور ولا يأتي الجمهور إليه. بدأ هذا النّوع من المسرح في لبنان عام 2006 على يد المخرج البناني الفلسطيني قاسم اسطنبولي . كان قاسم ممثلاً و مخرجاً و ثورجياً ، يعبر عن افكاره و مواقفه من القضايا العربية بكل جرأة. بالنسبة له ان المسرح و التمثيل هما ركنان أساسيا في حياة الانسان ، حيث يستطيع من خلالهما التعبير عن أفكاره بكامل حّريّته ، و التّحرّر من قيود المجتمع المنغلق لذلك كانت وجهته الشّارع للتّمكن من الوصول الى كافّة الشّرائح اللّبنانية . ألقى بدوره الضّوء في مسرحيّاته على القضايا العربيّة و الفلسطينيّة بالذّات بعد حرب غزّة عام 2008 حيث قدّم حينها مسرحيّة ” قوم يابا ” الّتي هزّت المسرح التّقليدي بطريقة عرضها في الشّارع . فقد عرضت المسرحيّة في الفضاء الواسع أمام عدد من السّفارات في لبنان منها المصرية كما عرضت أيضا أمام مبنى الاسكوا و في مختلف الجامعات . ليأخذ بعدها مسرح الشّارع او الفضاء الواسع اسم اسطنبولي . بعد اسطنبولي ظهرت فرق لبنانية أخرى من هذا النوع مثل” مسرح الشارع ” التي تقدم عروضا في كل المناطق اللّبنانيّة .
ايساهم هذا النّوع من المسارح او العروضات بتقريب الشارع اللّبناني من المسرح و يجعل الناس تتفاعل بطريقة أفضل معه .كما تلعب هذه الأعمال دورا أساسّيا في تقريب قئات المجتمع من بعضها البعض و إلغاء الفارق السّياسي و الطّبقي و الطاّئفي ، من خلال جمعها لكل النّاس في مكان واحد مفتوح في الفضاء لا قيود و لا حواجز فيه .
نشأ النشاط المسرحي وتبلورَ بفعل الطقوس التي تُمارس ضمن المواكب الجوالة خلال الاحتفالات التي تأخذ صبغة دينية حيثُ كانت تقام سنوياً في الحضارات الانسانية القديمة كالبابلية والمصرية والأغريقية .... ضمن موعد مُحدد سلفاً في الشوارع تمجيداً للآلهة وإحتفاءاً بالأعياد الدينية السنوية وكتعبير عن شُكر الناس لآلهتهم التي منحتهم هباتها بحسب معتقداتهم , والموكب يُعد من أشكال التمسرح القديم التي تُمارس في الهواء الطلق وهوَ الملامح الدرامية الأولى لمسرح الشارع , وللموكب جانبين رئيسين الأول هوَ الجانب الرمزي المُتمثل بمُمارسة الطقوس الدينية من خلالهِ والثاني هوَ الجانب التربوي والمُتمثل بتقديم شكلاً من أشكال رسائل التذكير والمواعظ والإرشادات القيّمية .
ثمة عدة تعاريف لمفهوم مسرح الشارع , لذا فإن كاتب السطور يُعرف مسرح الشارع بوصفهِ ( كل عرض مسرحي يُقدم في الشارع والساحات والأماكن العامة , متخذاً من الناس المتواجدين عشوائياً جمهوراً لهُ , ومُستلهماً موضوعاته من الواقع اليومي بهدف إيصال أفكاره عن طريق المُشاركة التفاعلية مع العرض ) , لذا فأن مفهوم مسرح الشارع خاضع للعلاقة الثُنائية التي تربط مكان تقديم عُروضهِ بتفاعل الجمهور المُتجمع عشوائياً معها , كما أن جمهور مسرح الشارع يختلف عن الجمهور الذي يرتاد العروض المسرحية المُقدمة.