دبلوماسية الطائرات المسيّرة تقلب تجارة الأسلحة
أثير هلال الدليمي
بات من الطبيعي والمعلن ان الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع تستخدم من قبل القوات الروسية في استهداف الاراضي والقوات الاوكرانية بشكل علني ويومي، وفي ذات الوقت وفي أماكن أخرى من أوكرانيا، تساعد الطائرات المسيرة التركية والأمريكية القوات الأوكرانية على استهداف القوات الروسية.
تركز هذه الالية من العمليات المتبادلة على الدور المتزايد والمهم لاستخدام الطائرات المسيرة التي يتم التحكم فيها عن بعد في المعارك العسكرية الحربية، ولقناعة قادة الدول بان طموحاتهم الدفاعية والسياسة الخارجية تتوقف على امتلاك هذا النوع من الاسلحة.
ان ازدياد انتاج وتطوير هذه الطائرات وارتفاع صادرات مبيعاتها يمكن من اتخاذها كأداة دبلوماسية فاعلة ازاء تنفيذ السياسات الخارجية للدول المنتجة والمطورة والمصدرة لها تجاه الدول المستوردة، تمهيدا لممارسة نفوذها خارج حدودها، ولانتزاع تنازلات الدول المستوردة، ولمواجهة خصومها، وتعزيز علاقاتها السياسية والعسكرية وتحقيق مصالحها التي تصبوا اليها.
لقد غيرت الطائرات المسيرة طابع الصراع الحديث من خلال قيام الدول بإستخدام القوة المفرطة للحصول على اعلى المكاسب باقل التكاليف والمخاطر ولاسيما المخاطر التي تستهدف قواتها وترسانتها العسكرية، او مهمات جمع المعلومات الاستخباراتية التي لايمكن تنفيذها بالطرق التقليدية، كما توفر هذه الطائرات دعمًا جويًا ورؤية شاملة للقوات القتالية البرية، والتي غالبًا ما تقلب كفة الميزان أثناء المعارك، علاوة على ذلك، عادة ما تكون الطائرات بدون طيار أرخص وأسهل في التصنيع والتشغيل والصيانة من الصواريخ أو الطائرات التقليدية التي تحل محلها، مما يجعل من المهم والضروري للدول مشاركة الطائرات بدون طيار في العمليات العسكرية.
وعليه ونظرا لاهمية هذا النوع من الاسلحة حرصت بعض الدول على بناء برامج محلية لانتاج وتطوير هذه الطائرات، بينما لجأت الآخرى إلى الحصول عليها من المصدرين الدوليين، وتجدر الاشارة إلى ان الولايات المتحدة الامريكية اول من حرصت على إنتاج وتطوير الطائرات بدون طيار وعززتها بأنظمة تشمل MQ-9 Reaper لكن قيود التصدير المتمثلة بنظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ (MTCR)، هي اتفاقية متعددة الأطراف تعد الولايات المتحدة أحد اطرافها، والزمتها بشدة على عدم بيع الطائرات بدون طيار التي تصنعها حتى لأقرب حلفائها، مما حدى بالدول غير الموقعة على نظام التحكم في تكنولوجيا القذائف والصواريخ ، مثل الصين وإسرائيل وايران وتركيا وغيرها من الدول التي لم تكن يوما من منتجي ومصدري الطائرات، ان تتنافس بشغف لملء الفراغ وانخراطها في ابتكار برامج انتاج وتطوير وتجارة هذا النوع من الاسلحة.
متغيرات سياسية
ان بيع الطائرات المسيرة في وقت يرتفع فيه الطلب عليها بسبب المتغيرات السياسية الناتجة عن الصراعات الدولية والاقليمية من شانه ان يؤدي إلى زيادة القوة الدبلوماسية المؤثرة للدولة المصدرة والتي تكمن بثلاث طرق مهمة ومتكاملة ندرجها في التالي.
أولاً ، يؤدي تصدير الطائرات بدون طيار إلى تعميق وتعزيز العلاقات مع حكومات الدول المستوردة، فان بيع طائرة بدون طيار يستلزم أكثر من مجرد بيع ونقل قطعة من الآلات فقد تأتي الصادرات عادةً مع تدريب طويل الأمد، ومساعدة لوجستية، واتفاقيات صيانة دائمة، وبالتالي تصبح الدولة المستوردة معتمدة كليا على الدولة المصدرة ولاسيما في الصيانة وتجهيز قطع الغيار، وكل ذلك ينعكس ايجابيا على تعزيز التعاون وبناء علاقات دولية تخلق مسارات جديدة يمكن من خلالها للدولة المصدرة التأثير في صنع السياسة التنفيذية الداخلية للدولة المستوردة وتعزيز هذه العلاقات بشكل متزايد ربما من خلال فتح مصانع لانتاج وتطوير هذه الطائرات داخل اقليم الدولة المستوردة، فعلى سبيل المثال أنشأت إيران خطوط إنتاج الطائرات بدون طيار في طاجيكستان وفنزويلا، واعتبرت الحكومة الايرانية هذه الخطوات نقطة تحول للعلاقات مع هذه البلدان، كما وتخطط تركيا لبناء مصنع لانتاج طائرات بيرقدار TB2 في أوكرانيا.
ان خطوة قيام منتجي الطائرات بدون طيار انشاء مصانع للانتاج خارج اقليمها من شانه ان يجعل دبلوماسية الطائرات المسيرة أكثر مرونة وأقل عرضة للتعرض العدائي من قبل المنافسين فعلى سبيل المثال قيام إسرائيل بقصف منشآت إنتاج الطائرات بدون طيار في إيران، لكنها قد تجد نفسها أنها غير قادرة على مهاجمة المصانع الإيرانية في البلدان التي تربطها علاقات دبلوماسية ودية مثل طاجيكستان.
وفي ذات الصدد قد تعمل هذه الاسلحة كبوابة تصدير تمهد الطريق لاستيراد أنواع أخرى من الاسلحة وعلى نطاق أوسع من خلال إظهار امكانيات وكفاءة الدولة المنتجة وتنوع منتجاتها الحربية والية تصديرها للأسلحة في المستقبل، فعلى سبيل المثال روسيا، تدرس روسيا حاليا شراء صواريخ باليستية من إيران.
ثانيًا ، تمكن صادرات الطائرات بدون طيار الدول المصدرة من التنافس والتحدي للخصوم والمنافسين الاخرين والذين يعتبرون بمثابة الأعداء الاقليميين، على سبيل المثال، ساهمت عمليات تصدير الطائرات التركية بدون طيار إلى أذربيجان في هزيمة أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020 التي تعد بمثابة خصم تركيا القديم، وكذلك قيام طهران بتسليح وكلائها بطائرات بدون طيار لمهاجمة أهداف في إسرائيل واليمن.
كما تمكّن عمليات تصدير الطائرات بدون طيار الدول المنتجة من الانخراط في حروب بالوكالة في مناطق أبعد، فعندما تبيع إيران طائرات بدون طيار لروسيا، على سبيل المثال، فإنها تدعم الهجمات على أوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة، ففي الوقت نفسه، تُظهر ايران قدراتها التي يمكن أن تستخدمها ضد الولايات المتحدة في صراع مستقبلي، والذي من المؤكد أن ينطوي على هذا الامر مخاطر سياسية وعسكرية وإقتصادية تجاهها قد تتمثل في فرض عقوبات جديدة ضدها، ناهيك عن أن استخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية في أوكرانيا يساعد الولايات المتحدة وحلفائها على انتاج وتطوير منظومات مضادة لها، كل هذه الإجراءات بالنسبة لطهران تكاد تكون خطرة، لكن تعزيز العلاقات مع روسيا يفوق هذه المخاطر.
ثالثا وأخيرًا ، تقوم الدول المصدرة والمنتجة للطائرات المسيرة بإنتزاع الامتيازات من الدول المستوردة، ووفقًا لموقع Al-Monitor وهو موقع إخباري، فإن بيع تركيا 20 طائرة بدون طيار إلى الإمارات العربية المتحدة قد وفر لأنقرة نفوذاً كافياً للتأثير على المسؤولين الإماراتيين لتقييد وصول زعيم مافيا تركي بارز إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مثال أخر ففي كانون الأول (ديسمبر) 2022 علن مسؤلون في الحكومة الأمريكية أن روسيا تزود إيران بـ "مستوى غير مسبوق" من المعدات العسكرية المتطورة - التي يُحتمل أن تشمل الجيل الخامس من مقاتلات Su-35 - ويرجع ذلك جزئيًا إلى مقابل عمليات بيع وتصدير الطائرات الإيرانية بدون طيار الى موسكو.
وفي الختام فان تزايد استخدام الدول للطائرات المسيرة كعملة مهمة للمنافسة فيما بينها، سيجعل صانعوا السياسات الخارجية يتصارعون حول كيفية الحد من اعتداءاتها، وبالتالي سوف تتنافس نفس الدول المصدرة على نفس الدول المستوردة أياً كان من يفوز بالعقد في نهاية المطاف، فقد يحصل أيضًا على منصب شريك أمني مفضل من خلال عقد اتفاقيات التعاون الامني، مما يجعل من الصعب على الدول الخصم الأخرى ممارسة نفوذها.
وفي حالات أخرى، قد تحتاج الدول إلى مساعدة الحلفاء والشركاء في الدفاع عن أنفسهم ضد الطائرات بدون طيار الخاصة بالخصم، ففي الحرب المستمرة في أوكرانيا، كثف أعضاء الناتو شحنات من معدات الدفاع الجوي إلى كييف بعد أن حصلت موسكو على طائرات إيرانية بدون طيار، ومع ذلك، فإن العديد من هذه الأنظمة تنطوي على إطلاق صواريخ باهظة الثمن لإسقاط طائرات بدون طيار أرخص بكثير وبالتالي فمن المرجح أن يتطلب الامر مواكبة المنافسين في دبلوماسية الطائرات بدون طيار عملية رد فعل تنطوي على توفير أنظمة مضادة للطائرات منخفضة التكلفة للدول التي تتعرض لتهديد طائرات بدون طيار منافسة.
تهديد السلم
ان الحرب في أوكرانيا سلطت الضوء على الأهمية المتزايدة للطائرات بدون طيار وخطورتها في تقويض وتهديد السلم والامن الدوليين، وبالتالي يقع على عاتق المجتمع الدولي التعاون للحد من تصدير الطائرات بدون طيار من خلال تقنين انتاجها وتطويرها وفرض العقوبات والجزاءات الدولية على من ينتهك ضوابط انتاجها وتصديرها.
في الوقت نفسه، يقع على عاتق الدول التعاون في انتاج وتطوير أنظمة مضادة للطائرات المسيرة للحد من استخدامها العدائي غير المشروع واتخاذ كافة الاجراءات للتصدي اليها، حيث لم تعد الطائرات بدون طيار مجرد سلاح في ساحة المعركة ولكنها تعد أيضًا أداة دبلوماسية فاعلة.
{ متخصص في الامن السيبراني