اليواخين ..تتحدى التقلبات و تطلق أمطارها في البصرة
أمجاد ناصر
قبل معرفة اهل البصرة سابقا مصطلحات وتسميات الانواء الجوية كانوا يستخدمون مسطلحاتهم وتسمياتهم الشعبية بالتعبير عن مواسم الامطار وهبوب الرياح والعواصف وكل ما يتعلق بتغيرات اشكال القمر وحجم الشمس وتحركات الغيوم وهدوء وهيجان امواج البحر حتى ثبتت هذه التسميات واستمرت الى وقتنا هذا. وهناك بعض التسميات جاءت من عدة مصادر منها له علاقة بمراحل نضوج ثمار النخيل والتي يطلق عليها بـ” الشرجي “ اي الرياح الشرقية وهي” شرجية عصارة الخلال وشرجية عصارة الرطب وشرجية عصارة التمر وشرجية عصارة الدبس “ اي ان الرياح الشرقية تحدث مع كل مرحلة من مراحل نضج التمر، ومن هنا اقترنت بأسمها.
صناعة الدبس
اما شرجية عصارة الدبس وهي اخر شرجية تمر على البصرة فيكون موعدها مع مرحلة صناعة الدبس في البصرة وهي اشد الرياح و اقواها من حيث شدة الرطوبة والحرارة وما تسببه من معاناة لأهل البصرة خاصة في ايام انقطاع التيار الكهربائي ..
وهناك بعض الاحداث والروايات والمفارقات التي جاءت تسميتها باللهجة الشعبية مع التغيرات الجوية , ومنها” مطرة غسالة اليواخين “ او مطر الخارمات .
شهدت محافظة البصرة في منتصف شهر تشرينن الثاني , هطول اول مطرة غزيرة معلنة بذلك استقبال فصل الشتاء الذي يأتي متأخراً في محافظة البصرة عن بقية المحافظات , لان شدة شتاء البصرة ينحصر في شهري كانون الاول وكانون الثاني , وكان اهل البصرة في السابق يطلقون على اول مطرة اسم” مطرة غسالة الجواخين (بلفظ الجميم بدل الياء ) اليواخين : هي في الاصل ”جواخين “ واهل ابي الخصيب يقلبون الجيم ياءً , وتشتق مطرة غسالة اليواخين من اليوخان وهو عبارة عن مساحة مفتوحة من الارض يتوسط موقعها بين الشط والنهر الفرعي المسمى” الشاخة “ كي يسهل على اصحاب المراكب” البلم والبوم والمهيلة “ نقل التمور من اليوخان الى الجراديق” ومفرده جرداق “ وهي الا ماكن التي تقوم بها مجموعة من الاهالي باستخراج النوى من التمر اي ان اليوخان لخزن التمر المقطوف ويمتد اليوخان الى مسافة طويلة ويكون مفروشاً بالحصران” البواري المصنوعة من القصب “ ويكون على كل” بارية “ نوع واحد من التمور كي يسهل على البائع والمشتري تقسيم نوع التمر .
تجارة البصرة مع سلطنة عمان بالمقايضة التمر مقابل الحلاوة المستكية.
ويوجد في اليوخان بيت من ( الخوص ) شبيه بالخيمة او الصريفة ويطلق عليه” الكبرة “ او” السوباط “ وهو مكان يخصص لطبخ ( الخلال البريم – من اجود انواع التمور بعد البرحي يتم طبخه بالماء و الخلال هو قبل نضوجه الى الرطب ثم التمر) وعمل الدبس وطبخ الغذاء وتناوله والاستراحة من العمل واستقبال الضيوف وخاصة الذين يقدمون من سلطنة عمان للتجارة مع اهل البصرة بالمقايضة اذ كان هؤلاء يأتون بالقماش وسمك الكَباب والخباط المجفف” المكفر “ ويسمى بالعماني” سمك حساس“ اما السمك الصغير فيسمى ”المتوت“ بالإضافة الى ”العلك المستكي“ و ”الحلاوة المستكية“ والبخور ”بخور مكة - بخور جاوي“ والعطور“ دهن العود، دهن الورد، ريحة بنت السودان“ و” الوزار“ وهو لباس البحارة، و”المستكي“ وتعني المسقطي المشتقة من مسقط العاصمة العمانية وكان العمانيون يشترون من اهل البصرة بالمقايضة” التمر - الدبس - الخل وخلال البريم والجبجاب المطبوخ “ وبعد ذهاب الضيوف وتصفية اليواخين من التمور تبقى بعض التمور المتناثرة في اليوخان فتقوم مجموعة من الاهالي يطلق عليها ”الطواشة ، الطوش “ للتنقل بين اليواخين ويتم وضعها داخل” الحصيرة - البارية “ وتسمى” كراخة “ وتستخدم هذه التمور علفاً بعد غليها بالماء مع نخالة الطحين وتقدم وجبة غداء للماشية تسمى” المريد “ .
غسالة اليواخين او الخارمات عبارة عن صافرة انذار لتنبيه اصحاب البيوت المتهالكة لترميمها
وبعد كل هذه الاعمال الشاقة التي كان يبذلها اجدادنا البصريون في اليواخين يبقى امامهم تنظيف اليواخين من بقايا التمور والدبق ، لأن المسألة لم تكن سهلة فأنهم كانوا يتركونها للطبيعة , وتتم عندما تنزل اول مطرة غزيرة في الشتاء يقبل لتغسل ما تبقى من التمور التالفة والدبس ”اللزوجة والدبق“ في اليواخين.
غسالة يواخين
ومن هذه التسمية اشتقت تسمية مطرة غسالة اليواخين، والتي يطلق عليها ”الخارمات“. اي تنبيه الاهالي بقدوم فصل الشتاء والاستعداد له من ناحية الاسراع بتكملة بناء البيوت او ترميمها لان تركها يؤدي الى رطوبة البناء وربما انهيار البيت على من فيه و” الخارمات “ هن النساء الكسولات اللواتي لايُجدن اعمال البيت لذا يقولون على كل امرأة لا تتقن اعمال البيت او اذا كانت بطيئة بعملها بـ” الخارمة “ ودائما تتحمل اللوم والعتاب من ذويها او من زوجها واهله. ومنها اقتران اسم” مطرة الخارمات “ لكي لا يتعاجز ويتباطأ صاحب الدار بترميم داره قبل حلول فصل الشتاء وبدء موسم الامطار في البصرة.النخيل بدأت بالانقراض من البصرة بسبب الاهمال و كثافة المستورد والان اصبح المطر شحيح وانقرضت اليواخين مع الطواشة وربما النخيل بطريقه للانقراض خاصة بعد استيراد التمر من دول الخليج و ايران و حتى (ماء اللكاح - ماء اللقاح المستخرج بعملية التبخير من قشور طلع النخيل المستخدم بعملية التلقيح) تم استيراده من دول الجوار بسبب الجفاف و الملوحة و عدم الدعم الحكومي للفلاحين وخاصة اصحاب بساتين النخيل و عدم مكافحة النخيل من الامراض التي تصيبها وخاصة الدوباس بعد ان كانت الدولة موفرة جميع المستلزمات الخاصة لمزارعي النخيل من اجل تصدير التمور ومشتقاته من الدبس و الخل الطبيعي الى جميع انحاء العالم , فضلا الى تجريف البساتين و تحويلها الى مدن سكنية وصناعية لانها تدر اموالا مضاعفة عشرات المرات بالشهر مقارنة بما تجنيه سنويا من النخيل .ضيافة الوفد الامريكي بتمر و لبن مستوردومن اطرف المواقف عند زيارة وفد من الحكومة الامريكية برئاسة السفير نكروبنتي الى محافظة البصرة في عام 2008 قدموا له التمر واللبن , وقال بوقتها : هذا تمر البصرة ؟
قالوا له : تمر سعودي واللبن ايراني.
•هذا التحقيق كتبته بمجالسة كبار السن ومنهم جدتي رحمها الله , و الصور مهداة من المصور رمزي الشعبان رئيس جمعية المصورين العراقين فرع البصرة سابقا .