الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صدمة البلد الصغير

بواسطة azzaman

كلام أبيض

صدمة البلد الصغير

جليل وادي

لن أتحدث عن الدموع التي ذرفها أعضاء المنتخب الاسباني بعد خسارتهم أمام الفريق المغربي في المباراة التي كانت تجري في محيط المرمى المغربي في غالب الأوقات، ولن أتطرق الى تصريحات الركراكي التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي التي جعل فيها الانتماء العربي في مؤخرة الانتماءات بعد الوطني والأفريقي. ولن أتوقف أمام الحسرات المتكسرة في صدور الفريق البرازيلي الذي أخذه الغرور والثقة الزائدة ونسى تعزيز دفاعاته من الحجر الذي لا  يعجب، فاذا بواحدة منها تشق هامته، ولا يشغلني كثيرا من الذي يعود بالكأس ليملأ نفوس شعبه بالبهجة، لذلك لست بمعرض التوقعات فيما اذا كانت  المباراة النهائية بين الفريق الارجنتيني والفرنسي او ربما يتفاجأ الجمهور بفريق خارج التوقعات، فليس دائما تصح التوقعات القائمة على المنطق.

 ما أريد الحديث عنه ان المونديال مهرجان للمتعة بأبعاد سياسية وثقافية، ذلك ان المهرجانات احدى أدوات تجسيد وظيفة العلاقات العامة للدولة، ويبدو ان هذا ما دفع الامارة الى انفاق مليارات الدولارات لتنظيمه وبشكل فاقت به جميع البطولات السابقة، فمن شأن المهرجانات الرياضية والثقافية الدولية وغيرهما التعريف بالدولة ورسم صورة ايجابية عنها او تغيير صورة ترسخت في الأذهان لا يُراد لها أن تستمر.

أراد القطريون التميز، والتعريف ببلادهم الصغيرة، وعكس صورة ايجابية عن شعبهم وينسحب ذلك بطبيعة الحال الى العرب والمسلمين، وقد تحقق قدر من هذا في غضون أقل من شهر، في وقت عجزت فيه جميع أنشطة الدول العربية وجامعتها العتيدة خلال قرن من الزمان عن تعديل صورة قاتمة عن عالمنا لدى الرأي العام الغربي، كلكم تعرفون كيف هي صورتنا، وكيف ان النوايا العدوانية ضد شعوبنا تستمد شرعيتها من الرأي العام، لذلك قليلة هي الأحزاب او منظمات المجتمع المدني او الشخصيات الغربية المهمة التي تعاطفت مع العرب والمسلمين عند تعرضهم لعدوان جائر. لماذا يتعاطفون ؟ فالعرب والمسلمون في نظرهم أقوام همجية ودينهم يصطبغ بالنزعة العدوانية، بدلالة الحوادث الارهابية التي تشهدها بلاد المسلمين والعالم، أنظمة شمولية وان تبرقع بعضها بالديمقراطية، وشعوب بدائية تعيش فوق بحيرات من النفط جعلتهم من أثرى الشعوب، لكن ثرواتهم تهدر بما لا طائل منه، بينما يُحرم منها المتحضرون الذين يرفدون البشرية بمنجزات جعلت من الحياة الانسانية يسيرة وسعيدة، لذلك المنطق يقول ان هذه الشعوب لا تستحق الحياة، هكذا هي صورتنا في أذهانهم وعجزنا عن تغييرها لقصور في تفكيرنا وشحة في فعالياتنا.

لا تعرف المجتمعات الغربية عنا سوى قليل القليل، تخلط بين أسماء دولنا ودول مجاورة، ولا أين نقع على الخريطة، ولم تفهم على وجه الدقة سماحة ديننا وقيمه النبيلة، وتجهل قيمنا وعاداتنا التي يسمو فيها الروحي على المادي في غالبها،  وجاءت هذه البطولة لتشكل صدمة للجمهور الرياضي الذي توافد من مختلف بقاع الدنيا وللرأي العام الدولي بحسب الانطباعات التي نقلتها وسائل الاعلام.

لا أظن ان قادة الامارة كانوا يتوقعون فوز فريقهم وتحقيق المعجزات بين فرق لها باع عريض وطويل في اللعبة، بل يدركون تماما خروجه من الجولات الأولى، لكن من حقهم أن يحلمون، وأول تلك الأحلام ان بلدا صغيرا لا يرضى الا بإنجاز الكبير من الاعمال، والجرأة في الاقدام على ما يعد مستحيلا في نظر البعض، أليس من الدوحة انطلقت قناة الجزيرة لتنافس وتتفوق على امبراطوريات الاعلام في العالم، بينما لم تفكر بمثل ذلك دول عربية كانت تحسب نفسها قائدة لوطننا العربي، كيف ولماذا ولأي هدف ؟ أجوبة قد نختلف بوجهات نظرنا حولها، وكل له تأويلاته.

في النهاية أسهمت قطر بزعزعة صورة نمطية سلبية عن عالمنا لمئات الآلاف من الناس، بنى تحتية فائقة الجمال والابداع، خلق ولطف رفيع في التعامل مع الضيوف، مساحة من الحرية واسعة، استقطاب لمختلف المشاهير، اختراق لاحتكار الفعاليات الدولية، قد يكون ثمن هذه المنجزات باهظا، لكن الاندماج مع العالم وتغيير الصورة ضرورة قصوى.

 

jwhj1963@yahoo.com

 

 


مشاهدات 729
أضيف 2022/12/10 - 3:25 PM
آخر تحديث 2024/11/22 - 8:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 93 الشهر 9564 الكلي 10052708
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير