لم يكن المنتخب المغربي وحده في الملعب المونديالي حين صعد الى دور ربع النهائي، كان معه ملايين العرب في بلدانهم أو في أصقاع المهجر.
كان العرب يبحثون عن نصر يزينون به أيامهم المثقلة بالنكسات والاحباطات السياسية فجاءهم زاهياً من البوابة المغربية. هم يعرفون انّ الفرح الرياضي قصير العمر وقد لا يبلغ كل المحطات المقررة على الطريق، ومن ثم نعود الى ما يفرقنا أكثر مما يجمعنا بسبب مآسي السياسة، إلا انها كانت ساعة خالدة طرزها المغاربة بالصمود المدهش المكلل بالفوز.
ثلاث علامات فارقة ميّزت مونديال قطر بعد انطلاقه، العلامة الأولى هي انّ القنوات التلفزيونية الإسرائيلية أصيبت بصدمة حين لم تجد مواطنا عربيا واحدا من جميع الدول المُطبّعة او سواها يقبل بالظهور معها في التغطية الإخبارية للمباريات على نحو لم يتوقعه الاعلام الإسرائيلي الذي انخدع طويلا ببهرجة بزيارات الزعماء الإسرائيليين الى عواصم عربية حديثة التطبيع.
والعلامة الثانية، هي الانتصار المغربي في اجتياز الفرق الكبيرة وتغيير خارطة التسلسلات التقليدية للفرق الكبيرة، ولعلّ الفأل الحسن للعرب كان بافتتاح الانتصارات في دور المجموعات من خلال هزيمة الارجنتين على يد السعودية.
أمّا العلامة الثالثة فهي انكسار الموجة الأوربية العدائية العارمة في محاولة فرض ثقافة الشذوذ الجنسي ونشر راياته وشعاراته والذي تزعمت المانيا محوره الذي نال سخط الجميع وسخريتهم.
نعرف ان الانتصارات الرياضية هي غير الانتصارات التي ينتظرها العرب في استعادة حقوقهم في اكثر من بقعة، وانّ الفوز المغربي على اسبانيا لا يعيد للمغاربة سبتة ومليلية، كما انه لا يوقف الاستيطان الإسرائيلي ضد الأرض الفلسطينية، ولا يعيد السلام المفقود في أجزاء كبيرة من سوريا ،وهو فوز لا يفك الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، ولا يعيد توزيع الثروات العربية بشكل عادل داخل كل بلد او بين الدول العربية، ولا يوقف حرب اليمن ويعيد الشرعية بمفهومها العام لجميع اليمنيين وليس بالمعنى المقنن بالحرب، ولا يمنح الأمن للخليج المهدد دائماً، لكنّ هذا الفوز برغم كل هذه القضايا المتعثرة أعطى للعرب شعوراً ماتعاً جامعاً بأنّ هناك أملاً دائماً في تحقيق الإنجازات التي من الممكن أن تنتقل من ميدان الرياضة الدولية الى ميادين أخرى أيضاً.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية