الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هيكلة الدولة .. طموح متردّد وإرادة عاجزة

بواسطة azzaman

هيكلة الدولة .. طموح متردّد وإرادة عاجزة

رياض عبد الكريم

 

من بين اهم اسباب نجاح الحكومات والدول والثبات على نهج واضح ومتأسس هوالمراجعات الدائمة لطبيعة عمل مؤسساتها ، وتحديث اساليب عملها واعادة النظر في ماهو مفيد وماهو مضر على صعيد المنجز الوطني الذي لابد وان يكتسب رضى الشعب في حدود توفير الخدمات والتعاطي مع طموحات الشعب بالشكل الذي يخفف من معاناتها في التعامل مع تلك المؤسسات ، وهذا يتطلب النظر الى التجربة على انها كيان قابل للتطوير او الحذف في المراحل المتغيرة وعلى اساس فهم طبيعة التجارب الاخرى والتي يمكن الاخذ منها او الاستفادة من طرائقها في المعالجات والانجاز ، وان لاتبقى الدولة او حكوماتها مكتوفة الايدي غير قادرة على الحركة الايجابية الى الامام ومحافظة على نهجها ، بالرغم من تجاوز صلاحيته للعمل او الانجاز، غير مكترثة ولا مبالية بضرورات التغيير او التحديث بل وحتى الاصلاح الذي يجنب الدولة كل مخاضات الازمات والكوارث التي تلحق بها والتي تجعلها عاجزة امام متطلبات الانجاز وترضية طموحات الشعب على كافة الاصعدة ، الامر الذي سيؤدي بالتأكيد الى ضرب بنية الاقصاد ، وانعدام الخدمات والعجز او الشلل الذي يضرب ايضا العديد من القطاعات المهمة منها الصحة والتربية والصناعة والتجارة والزراعة والثقافة ، وفي ذلك انهيار شبه تام لحركة الدولة قد يؤدي الى الفشل في ادارة الدولة وربما سقوط حكوماتها الواحدة تلو الاخرى .

وسائل التجديد والتحديث

من خلال الاطلاع على عدد من البحوث والدراسات الإدارية المتعلقة بمفهوم وفكرة إعادة هيكلة الجهاز الإداري وجدت أنها تدور حول تفكيك كلي أو جزئي للهيكل ومن ثم إعادة تركيبه من جديد بهدف تحديث النظام ككل، وتطوير هيكله الإداري القائم عبر أسلوب علمي ومنهجي حديث يواكب ويلائم متطلبات مرحلة معينة.

بالتالي فإن إعادة الهيكلة ليست هدفا في حد ذاتها, بل هي وسيلة من وسائل التجديد والتحديث والإصلاح الشامل لمجموعة عناصر ومكونات الهيكل المقصود كالموارد البشرية, التشريعات, الإجراءات، التكنولوجيا وغير ذلك، اضافة الى اجراء التشريعات وبرامج العمل والتوجه نحو حوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، ومراجعة أعمال الشركات ودراسة آليات صنع القرار الحكومي…إلخ

أن إعادة الهيكلة يجب أن ترتكز وتهدف إلى تحقيق الاستجابة والتأثير. الاستجابة لمتطلبات البيئة المرحلية بمختلف مكوناتها لتحقيق أهداف إعادة الهيكلة من جهة، والتأثير في تلك البيئة التي من أجلها ولدت الرغبة في إعادة الهيكلة من جهة أخرى.فعنصر الاستجابة على سبيل المثال لا الحصر يقوم على الاستجابة لمتطلبات المرحلة في ظل مختلف التغيرات الوطنية والدولية وفي مختلف الاتجاهات مثل إحداث التغييرات الهيكلية للتخلص من القيود الإدارية، والتحرر من القوالب الجامدة للأشكال والهياكل التنظيمية والمركزية التقليدية، وتحديد الأهداف العامة المستقبلية ومراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي وتطويره، وتبني نظم وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية”.

أما التأثير فيرتكز في العادة وليس في الغالب على التأثير في جوانب وقيم غير ملموسة كالأفكار والوعي والطموحات شترتكز على دعم وتقوية عناصر الاستجابة، وبمعنى آخر التركيز على الجانب النفسي والفكري للموارد البشرية ومصادر الهوية الوطنية وتعميق مفهوم الأمة، وبالتالي فإن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، ، لن تقتصر على الإصلاحات الإدارية المحضة، بل ستشمل جانب التأثير في الفكر والوعي, كما ستمتد إلى مختلف العناصر المكونة للهيكل الإداري كالجوانب الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وغير ذلك، لتحقيق الغاية من فكرة إعادة الهيكلة بشكل عام.

الهيكلة وعلاقتها بالمواطن

فالنظام المؤسسي أو الهيكل التنظيمي لمؤسسة ما، يتكون عادةً من الأنشطة والمهام التي يتم توزيعها بين العاملين بالمؤسسة والقيام بعمليات التنسيق والإشراف، وهو بالضرورة مُوجه نحو تحقيق أهداف المؤسسة والتنظيم. كما يُمكن اعتبارها أيضاً بكونها منظار للأفراد اتجاه مؤسستهم والبيئة المحيطة. ويمكن هيكلة منظمة أو مؤسسة بطرق عديدة ومختلفة بحسب أهدافها. لذلك فإن هيكلة التنظيم يحدد اسلوب عملها ونتائجها.

ولابأس ان تبدأ عملية الهيكلة بالمؤسسات ذات العلاقة المباشرة واليومية بالمواطن ، شرط وضع الخطط الكاملة العلمية والفنية المفصلة لطبيعة وماهية تلك الهكلية التي تأتي بالتجديد والتحديث وتدرج مراحل العمل بموجب طبيعة المعاملات التي تخص المواطن بعد معرفة كل تفاصيل وانواع هذه المعاملات ، وهنا اتحدث عن جزء من تلك الهيكلية المتعلق بالجانب الالكتروني الخدمي وبما يسمى بالحوكمة او الحكومة الالكترونية تخلصا من التعامل الورقي وكتابنا وكتابكم .... الخ  ، والتي وللاسف قد تحدث عن هذا التوجه كبار المسؤلين في الدولة والحكومة لكن لم يتحقق من توجهاتهم سوى اقل من 1% من حجم متطابات الدولة لهذه الخدمة ، ذلك ان الدولة تصرف على الكثير من مواردها البشرية ومتطلبات اماكن عملهم وما يلحق ذلك من ترهل وظيفي واستهلاك للقرطاسية واستنزاف الوقت وشيوع الروتين والبيروقراطية اضافة الى اتعاب المواطنين واجهادهم ناهيك عن مايمكن ان يصيب تلك المعاملات الورقية من التلف او الضياع او تعرضها للحوادث من سرقة وتزوير وحرائق ، ولعل من المهم والاهم ان اذكر بوجود مؤسسات قائمة الان وعلى تماس مباشر بالمواطنين يمكن ان تبدأ تجربة الهيكلة فيها ، منها ، دوائر المرور ، المصارف ، دوائر الرعاية الاجتماعية ، امانة مجلس الوزراء، الدوائر الخدمية في الداخلية ، دوائر امانة بغداد، هيئة التقاعد ، دوائر جباية الماء والكهرباء ومديريات الكمارك... الخ من الدوائر والمؤسسات التي يمكن للدولة تقدير مدى اهميتها في ادخال الخدمة الالكترونية لها .

ضرورات الانتقال للتحديث

اما على صعيد الهيكلة الادارية ، فلابد من اعادة النظر جذريا بواقع مؤسسات الدولة ودوائرها وعدد الموظفين العاملين فيها وطرائق سير العمل فيها ، اذ ان معظم هذه المؤسسات ماتزال تعمل بطرق بدائية متهالكة لاتنسجم على الاطلاق مع التطور الذي حصل في طريقة الاداء والمستجدات التي تحتمها ضرورات الانتقال من مرحلة الى اخرى وماتتطلبه من ايجاد سبل تنسجم مع هذا التطور ، ناهيك عن الترهل الوظيفي الذي يفسد الاداء المميز من خلال الاتكالية المعتمدة من جراء كثرة الموظفين ، الامر الذي غالبا مايربك العمل وشيوع الاخطاء المتكررة ، ومن جراء ذلك ، فأن خبراء في مناهج التخطيط الاداري يؤكدون على ان انتاجية الموظف في اليوم الواحد لاتتعدى مساحتها الزمنية الـ 30 دقيقة في اليوم الواحد .

وعلى اساس ذلك ، فأن اعادة النظر في مسألة اختزال او تقنين مؤسسات ودوائر الدولة او دمج بعض هذه المؤسسات في حدود تشابه الاعمال او تقاربها ، يمكن ان يخفف كثيرا من اتعاب المواطن ويسهل السيطرة على الاداء والمحافظة على الخصوصية ، وفي هذا المجال لابد ايضا من القضاء على الروتين والبيروقراطية التي تعطي انطباعا عن تخلف الدولة في فهم اولويات العمل وتعالي الموظفين على المواطنين الذي يفهم من ذلك وكأن اداء الموظف هو منة على المواطن وليس خدمة له ومن اجله ، وثمة ظاهرة سيئة جدا ابتكرتها بعض الدوائر ذات التماس المباشر مع المواطنين وهي مراجعة تلك الدوائر من شبابيكها في منظر اقل مايوصف بالتخلف وسوء المعالجة وعدم احترام كينونة المواطنين واذلالهم ، في حين كان بالامكان توفير قاعات مريحة للمواطنين وتنظم عملية المراجعة بموجب البطاقة الالكترونية التي يقطعها المواطن وهي تحمل رقما متسلسلا للمراجعة حسب الاولوية ، وهذا اصبح معمولا به في كل دول المنطقة والعالم ، ولا اعراف لماذا لايطبق في العراق بالرغم من ان كل المسؤلين في الدولة والحكومة يعرفون هذا النظام ومطلعين عليه اينما يسافرون .

العمل في الحيز الميداني

كذلك لابد من إعادة النظر في قضايا المسؤولية الإدارية ومنهجية العمل الإداري عبر استخدام أدوات السياسة. كتركيز عمل الوزراء على الجانب الميداني بشكل أكبر، وتقليص الأعمال الإدارية والمكتبية، فكرسي الوزارة هو منصب سياسي توجيهي أكثر منه منصب تنفيذي تجديفي يغرق صاحبه في أكوام من الأوراق. بالتالي تركيز أعمال الكادر السياسي على التقارب مع المجتمع، والبحث عن كل ما من شأنه تعزيز الثقة الحكومية وخدمة المواطن.

مع الاخذ بنظر الاعتبار بإعادة النظر في الكثير من الوظائف الحكومية خصوصا العليا منها، والأعداد الكبيرة من الوزارات والمؤسسات الحكومية المتضخمة، تحديدا ذات الاختصاصات المزدوجة أو تلك التي يمكن أن تدمج مع وزارة أخرى، وفي هذا السياق يذكر بيتر دراكر وهو أحد الاقتصاديين الأميركيين البارزين حيث يقول: “إننا لا نواجه ذبول الدولة وتلاشيها بل على العكس، فنحن بحاجة إلى حكومة نشيطة وقوية وفاعلة جدا، ولكننا نواجه بالفعل خيارا بين حكومة كبيرة ولكنها عقيمة وحكومة قوية لأنها تقتصر على اتخاذ القرار والتوجيه، وتترك العمل للآخرين، إننا نحتاج إلى حكومة قادرة على الحكم وتمارس الحكم حقيقة، وهي ليست حكومة تعمل أو تدير بل حكومة تحكم وتوجيه”. وربما كانت بداية رئيس الوزراء السيد السوداني تحمل في بعض توجهاتها جزءا من توجهات الحكومة القوية التي تقترب من مبدأ التحكم والتوجيه كما ذكر الخبير الاقتصادي داركر ، الا انها بحاجة الى عزم وارادة طولين المدى وتخضعان الى مراجعة مستدامة وفريق استشاري نابض بالفعالية والحركة والنزاهة مع التركيز على عدم التوسع في اعداد هذا الفريق واختزاله بما يتلائم والضرورات القصوى ، ونأمل ان يكون ذلك ممكنا في المستقبل .

 

 


مشاهدات 761
أضيف 2022/11/29 - 4:36 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 6:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير