الدولة الحديثة والإستعمار القديم.. هياكل بلا مهام وأكسير الفساد
محمد صالح البدراني
الدولة الحديثة نشأت في اوربا ولم تك بهذه الهيكلية والقواعد والنظم، ولا حتى مجموعة ما تنادي به من حقوق وحريات، وهذه المطالبات تحركت مع الحركة الأولى لاجتياح الحداثة للعالم ولكنها كان متمركزة بإمبراطورية قديمة كفكرة فكانت الحداثة مدنية وليست معبرة عن تطور فكري وإنما عن تطور طبيعي لراس المال ونوعية المصالح، في الزراعة ثم الصناعة المبنية على الزراعة والانتقال نحو منهج الاحتلال للسيطرة على المواد الأولية وإنشاء سوق للمنتجات الصناعية، فاستعمرت الدول المحتلة بما يتناسب والفكرة، بل هم لم يهتموا بأفكار تلك البلدان وحضارتها الفكرية إلا بقدر إيجاد الوسائل لتسخيرها في إدارتها، لذا فما نسخ من تراتيب إدارية هو ليس لحاجة فعلية في البلدان المستعمرة وإنما بما يجعلها تبدو وكأنها متطورة، في حين أنها طمست الحضارات، وخلقت إحساس بالدونية والتمزق يدافع عنه الآن وكانه من ثوابت الأمم يعيق المراجعة الموضوعية لاستعادة الهوية وبناء الكينونة والشخصية التي تشارك في المدنية وليس كتابع مستهلك، أو طارد للطاقات إلى حيث يعاد تأهيلها لتكون من عناصر الإنتاج في الدول المتقدمة، وليس من واقع أن نقول هنالك استعمار قديم وحديث، وإنما بدل الاحتلال المباشر للأرض احتل الإنسان نفسه فإما كان مخربا معيقا لتقدم بلاده أو مؤتمرا بشكل مباشر بما يشبه التبعية؛ والسياسة ثابتة في إبقاء التخلف وأسبابه وإحباط أي محاولة للتطور الإيجابي، رغم أن هذا يحتاج إلى مراجعة مع تقارب العالم لبناء من نوع آخر ربما يحتاج إلى منظومة أخلاقية غير فاعلة الآن.
هياكل بلا مهام:
الهياكل التنظيمية التي توجد في دولة صناعية كبرى، وتنقل إلى دولة محتلة بدلا أو توسيعا في هياكلها القديمة كإدارة أو أقساما إدارية أو نوعا من النظام الذي لا يرافقه خطط تنمية وإنتاج فلا نجد إلا تضخما في الهيكل الإداري بمهام وهمية في حقيقته ولا إنتاج حقيقي، حتى المنظمات التي تعمل ضمن منظومة وزارة أو ما يسمى الدولة هي في الحقيقة تعاني من ضعف التصويب والتنمية أو التطوير لإنجاز عمل حقيقي، فعندما لا يكون هنالك مصانع تعتبر وزارة كالصناعة وزارة وهمية، وعندما لا يكون هنالك تطوير للكهرباء بما يفيض عن الحاجة الآنية تعتبر وزارة الكهرباء هيئة للصيانة لا ترتقي لوزارة، وهكذا دواليك.
إن وجود الهياكل الإدارية التي تتشبه بدول عظمى بلا مهام لا تعني إنجازا، لكن المهام ستعرف هياكل إدارية ملائمة للدولة النامية أو التي تمر بمرحلة النقاهة والنهوض، وتكاتف الحكومة مع الشعب على القيام بمهام حقيقية أو مشاريع عمرانية لا يكون إلا بالثقة في المستقبل والشفافية ودرجة من النزاهة وتنبه حراس المصداقية؛ وليس باستعدائه أو القمع والهيمنة عندها ستكون الحكومة حكومة احتلال داخلي وهو ما يحصل في اغلب دول العالم المتخلف والمتشبه بالديمقراطية، إننا اليوم لا ننظر إلى صحة القضاء والتعليم الذي يحتضر فقط، وإنما ننظر إلى مفاصل أخرى كالمجموعة الطبية ومدى تأثيرها في رعاية الشعب والمجموعة الهندسية ومدى مصداقيتها في الإعمار والاستثمار، فهذه باتت من معالم المصداقية وإمكانية النهوض، وبارومترات تقيس ضغط الفساد الذ يتغلغل ليصبح مافيات داخل منظومة الفساد نفسها، تعمل لمصلحتها خارج مخططات التدمير والفساد نفسها.
تأثيرات مهمة أخرى:
زيادة الهياكل دونما الحاجة إليها فعلا لها تأثير عكسي ليس كترهل فحسب بل إعاقة للحركة الوظيفية والتوابع المالية والتعليم المستمر، ناهيك أن الإنتاج يحتاج إلى رؤية أيضا قد تبعث الحياة في هياكل ميتة، فالرؤية والعزيمة على العمل باتجاه تطور الإنسان والعمران، يحتاج إلى رؤية تقود هذا وبشر له إرادة من النساء والرجال بل وحتى تطلعات الأطفال وخلق منهج الحلم الذي يصنع ديمومة الرقي وليس الركون للاستمتاع وإيقافه التفكير، أو الخضوع للتخلف على شظف العيش وتدني الكرامة الإنسانية.
هياكل خادعة:
هنالك هياكل كمراكز الدراسات بلا خطط أو فعل حقيقي لأنها لا تجد محددات ومرتكزات، أو إدارات تحتاج إلى خبرات أصلا لا تعتبر مطلوبة في الواقع الفاسد الذي تعاظم الهياكل بلا مهام من معالمه، فيأتي ناس لإدارة المصالح وليس لإدارة الأعمال حقا وان لبسوا لباس الحقل وحملوا أدواته وتكلموا بمصطلحاته، لكن غايتهم الاستفادة كما يسمونها وهي اسم منمق لجمع الفتات؛ كما يسمى الربا بالفائدة فتسمى معاملات الفساد بالاستفادة.
خاتمة مهمة:
الدول المتخلفة تحتاج عملية إصلاح لا تتم بالأدوات الفاسدة الهدامة، وللفساد إكسير مضاد للأمانة؛ ولابد من إعادة تأهيل مدروسة للكوادر المتسممة "بإكسير الفساد". وتضخم الجهاز الحكومي لسوء إدارة القطاع الخاص، فاغلب الشركات لا تسجل العاملين فيها أو أننا نجد قانونا لكوادر الأعمال الحرة فبالتالي لا يضمن مستقبل عوائل هذه الناس رغم استنزافهم من الشركات الأجنبية، فتهرب الطاقات إلى الوظيفة العامة من اجل الضمان فيكون ترهلا وضياع لكوادر لا ترضى أن تكون ألا في مواقع العمل الحقيقي.