المشخاب معالم وذكريات
بغداد- محسن حسين الحمداني
سرد البهي ، تذكر العبق ، عزف بترتيلة بابلية على قيثارة سومرية ، نهلت من الاصالة الفراتية ، واغترفت من نهر العشق العراقي ،
هذه ذكرياتي عن مدينة المشخاب التي ولدت فيها وعشت سنوات الطفولة وجزء من سنوات الشباب وكان ذلك استجابة لطلب من اهالي المشخاب لنشره في موقع لهم باسم (تاريخ المشخاب )
(الحلقة الاولى )
رغم العمر والتنقل من مكان الى اخر ومن بلد الى اخر يشدني الحنين الى المكان الذي ولدت فيه وعشت فيه طفولتي وبعض سنوات الشباب.
حين اذكر المشخاب وبداية حياتي من عام 1934(عمري الان 86 عاما) اشعر برعشة في جسدي كيف مرت السنوات الطويلة دون ان انسى رائحة العنبر وبساطة الانسان والمعيشة والمزارع والنخيل والحصاد وملاعب الاطفال.
وقد سررت جدا عندما طلب مني الاخ عبد الزهرة تركي الفتلاوي ان اكتب في صفحة (تاريخ المشخاب) اصف مدينة المشخاب القديمة وذكرياتي عنها وعن ناسها والحياة فيها. وها انا افعل بسرور حسب ما تيسر لي من ذكريات بعضها طواها النسيان بسبب العمر آمل ان تناسب اهلنا في المشخاب:
عشت طفولتي في قرية ابو ذهب التابعة للمشخاب وتقع على ضفتي نهر شلال وهو فرع من نهر الفرات ( المشخاب ) وتبعد القرية عن المدينة نحو 5 كيلومترات.
كانت مدينة المشخاب ونسميها (الولاية) نهاية العالم نعتقد ونحن اطفال ان فيها كل شيء. وبمعنى اخر كل ما لم يكن موجودا في القرى.
بعد سنة عند الملة وهي امراة عجوز تعلمنا القراءة والكتابة قرر الوالد وكنت في التاسعة من العمر ان يرسلني الى بيت خالي في مدينة غماس التي تبعد عنا مسافة نقطعها مشيا على الاقدام في 6 ساعات. هناك قضيت سنة واحدة في مدرستها الابتدائية منها اسبوع واحد في الصف الاول وحين اكتشف المعلم ثم مدير المدرسة انني اقرا كل ما يقدم لي نقلت الى الصف الثاني وقبل نهاية السنة الدراسية منحوني شهادة النجاح الى الصف الثالث.
عدت الى ابو ذهب كي ابدا مشوارا طويلا من الذهاب يوميا الى المدينة للدراسة في مدرسة الفيصلية الابتدائية وقد حملت هذا الاسم من اسم المدينة التي سميت ناحية الفيصلية نسبة الى الملك فيصل الاول اول ملك على العراق بعد تاسيس الدولة الجديدة عقب انهيار الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على العراق وكانت قبل ذلك تحمل اسم (السوارية) نسبة إلى ابن سوار الذي هو من آل فرعون أسس قرية هناك في عام 1916.
رغم ضعف الذاكرة بعد اكثر من 70 عاما على تلك الايام فانني اذكر المشخاب مدينة رائعة (وانا لم اشهد غيرها سوى غماس).
اذكر النهر وهو الفرع الرئيسي من الفرات يقع على الجهة الشرقية من المدينة اي اننا اذا جئنا الى المدينة لا بد ان نعبر النهر وكان ذلك يتم بزوارق مقابل اجور ثم صنعت عباره (الطبگه ) لنقل الناس وحاجياتهم بين ضفتي النهر الى ان انشات الدولة جسراً عائماً لعبور الناس والسيارات والحيوانات ومع ذلك فقد بقيت بعض الزوارق تعمل للعبور بين الضفتين.
اول ما تواجهنا نحن القادمين من القرية بناية السراي اي مقر مدير الناحية والشرطة وبقية الدوائر ومنها مكتب البريد والتلفون في ركن المبنى.
وبالمناسبة في ذلك الوقت كان كبار الموظفين في الناحية والشرطة والمدرسة وغيرها تعينهم الحكومة من ابناء العراق بغض النظر عن اتنمائهم القومي اوالديني او الطائفي وفي تلك الفترة كان معظم هؤلاء من ابناء الالوية (المحافظات حاليا) الاخرى.
والى جنوب السراي وبمواجهة النهر كان هناك جامع السيد نور الياسري وفندق واذكر ان اهالي المشخاب عندما يعرفون ان شخصا غريبا يريد الاقامة في الفندق يتسابقون على ان يعرضوا عليه الضيافه في بيوتهم بدل الفندق.
الى جوار بناية الفندق خانات (محلات) الحبوب وتحته مطعم ومقاهي ودكان لصناعة الأحذية (النعل) .
وفي الشارع الخلفي محال وخانات الحبوب ومحل لصاحبه (قلوم) لتصليح الخزفيات (الفرفوري) والبريمزات ، بعد محل قلوم ندخل الى السوق المسقف في بدايته محل العيفاري ومقهى ومحل غني الحلاق وهو من ابناء عمي الشيخ ياسين المقيم انذاك في الدبينية (شمال المدينة) والى اليمين فرع فيه مطعم كباب ابو شنه ثم ييدأ سوق البزازين والخياطين منهم محل ابن عمي الثاني الخياط شهيد الشيخ ياسين ينتهي السوق بتقاطع فيه محل عبد المجيد الفيداوي (بزاز).
واذكر من بين المحلات في هذه الاسواق هادي محبوبه محل كبير للالبسة ويطلق عليه اسم مغازه في ذالك الزمان ومحل مجيد عبد الحمزة تاجر قماش معروف ومحل مجيد ال صيهود تاجر اقمشه اضاقة الى محل اقمشه باسم ال برشاوي.
وبعد التقاطع يبدأ سوق آخر فيه محل حداد ومحل ذهب باسم عباس غازي ثم تقاطع عريض من جملة مافيه محل مكوى لابن عمي الثالث عزيز الشيخ ياسين.
وفي الجهة المواجهة للنهر توجد محلات كبيرة للمواد الغذائية منها محل صادق الحداد وعبد علي الحداد ومحل اخر هو محل سعيد ال عمران.
ثم ييدأ سوق كنا نسميه (سوق العرب) فيه محال لبيع الخضراوات ونجارين وصائغ هو خالنا جبار كاظم جدوع وقبله محل عطارات صاحبه ابن عمنا الرابع طه الشيخ ياسين .
بعد سوق العرب تبدأ محلات على الكورنيش لفرع من نهر المشخاب يسمى نهر السواريه وفيه محال نجارين ومقاهي وعلى نهر السوارية جسر للسيارات والناس يربط المشخاب بطريق يؤدي الى ناحية القادسية .
اما الذي يتجه غربا مع نهر السوارية فان الطريق يؤدي الى السادة آل ياسر والشيخ عبد العباس آل مزهر من شيوخ عشيرة ال فتلة وكان عضوا في مجلس النواب آنذاك.
واذكر في مدينة المشخاب توجد ماكنة طحين ومعمل ثلج وهناك محل لبيع الصحف والقرطاسية وحمام شعبي للرجال وآخر للنساء ومحل صغير لتزويد السيارات بالوقود قبل انشاء محطة حديثة (بانزينخانه) بالقرب من كراج السيارات للنقل بين المشخاب والنجف وابو صخير والشامية وبغداد اضافة الى كراج في جنوب المدينة قرب الجسر لنقل الركاب بين المشخاب و ناحية القادسية.