وكالة الأنباء العراقية.. لمحة عن سيرة نعيم العزاوي المنسيّة
مليح صالح شكر
لاحظت في دراستي لتاريخ الصحافة العراقية ان موظفاً في وكالة الأنباء العراقية قد تعرض للكثير من الغبن من قبل بعض المتحدثين عن تاريخ (واع) بالرغم من أنه تولى فيها منصب معاون المدير العام .
وعندما أتحدث عن المحامي الناصري نعيم العزاوي فإنني أتحدث عن شخص لم ألتقيه وظيفياً سوى مرة واحدة في حياته عندما كُنتُ في عام 1967 أحاول إيجاد فرصة عمل مسائية بعد وقت دراستي الجامعية فقدمت بإقتراح من الصديق جليل العطية ، طلباً للتوظف في واع وقابلني المدير العام مدحت الجادر، الذي أحالني الى معاونه نعيم العزاوي وذهبت إليه وتحدثت معه وأجبته على أسئلته ولكن الظروف لم تكن مواتية للتعيين .
والمعروف في سيرة حياة نعيم العزاوي بأنه أول من شغل منصب معاون المدير العام لواع حينما كان أحمد فوزي عبد الجبار مديراً عاماً إعتباراً من شهر آب 1966 واستمر بعد ذلك في منصبه مع المدير العام التالي مدحت الجادر ، وحتى تولي البعثيين السلطة في 17 تموز 1968 فغادر إلى مصر.
ولم يسبق لوكالة الأنباء العراقية أن أستخدمت ومنذ إنشائها عام 1959 وظيفة معاون المدير العام، وكل من تعاقب على إدارتها من أحمد قطان وشاذل طاقة والعميد يحيى الخطيب والعميد دريد الدملوجي، لم يكن عنده معاوناً ، حتى إدارة أحمد فوزي عبد. الجبار عام 1966 الذي إستحدث المنصب وعين منعم العزاوي معاوناً له.
ووفقاً للمصادر الموثوقة التي إستشرتها في الأسابيع الماضية ، وهي من التي كانت تربطها علاقات وثيقة معه ، اشترك العزاوي في السنوات الأخيرة للحكم الملكي ، مع عدد من الشباب على تشكيل منظمة سياسية سرية أسموها ( الرابطة القومية) وكانوا ذوي ولاء تام لسياسة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، ولذلك لجأ بعضهم الى مصر.
وفي الشهور الأولى للنظام الجمهوري عام 1958 تأسست الرابطة القومية كتنظيم سري يشدد على الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة بزعامة عبد الناصر.
وحسب هذه المصادر، كان المؤسسون الأوائل للرابطة القومية هم عدنان الراوي وهشام الشاوي وفوزي عبدالواحد وعاد تكليف آل فرعون ونعيم العزاوي ورمزي العمري ، وأصدر فوزي عبد الواحد بعد أن تولى البعثيون السلطة في الثامن من شباط 1963 جريدة ( الثورة) التي لم تدم طويلاً فأغلقت عندما ساءت العلاقات العراقية المصرية واعتقلت السلطات البعثية بعضهم ،وفوزي في مقدمتهم.
وفي تاريخ الصحافة أن فوزي عبد الواحد أصدر في منتصف الستينيات من القرن الماضي جريدة ناجحة أسماها ( صوت العرب) وكان سجاد الغازي سكرتيراً لتحريرها، وهي الجريدة التي مارستُ فيها صيف عام 1967 التدريب الصحفي العملي وأنا طالب في السنة الثالثة من دراستي الجامعية وتخرجت من قسم الصحافة بعد إتمامي السنة الرابعة في تموز 1968.
وإثر تولي البعثيين السلطة للمرة الثانية في تموز عام 1968 غادر نعيم العزاوي الى مصر وأقام في القاهرة وعمل مراسلاً لإحدى الصحف الكويتية وكان يسكن في شقة بأول شارع الزمالك الى اليمين بعد عبور كوبري أبو العلا .
وفي أواخر عقد السبعينيات من القرن العشرين عاد العزاوي الى بغداد وحاول الإتصال مع الرئيس صدام حسين الذي كان في أول عهده يجيب شخصياً على النداءات الهاتفية برقم منشور في دليل الهاتف وفي الصحف ، فكلمه العزاوي بحكم الصداقة التي تجمعهما لكن العزاوي تصرف بحكم الصداقة وليس مع رئيس الدولة فأغلق الهاتف بوجهه وفي اليوم التالي جاء رجال أمن إليه فأعتقلوه .
وبعد أيام استدعاه صدام وقابله ، وقال العزاوي لأصدقائه فيما بعد أن صدام أهداه قداحة مذهبة وكان يحملها معه ، ومكافأة لم يفصح عن مقدارها وأطلق سراحه ليقيم في داره بحي دراغ في المنصور ثم يفتح مكتب محاماة في نفس الحي حتى بعد أن إنتقل للسكن في بيت آخر في حي الخضراء ، ومارس المحاماة حتى وفاته.
ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي أقام نعيم العزاوي فيها في مصر ، بل أقام فيها مع الشاعر عدنان الراوي خلال سنوات حكم عبد الكريم قاسم ، وكانا على صلة وثيقة مع مدير إذاعة صوت العرب ،أحمد سعيد، حتى أن الشاعر الراوي أقام في مصر في السنوات الأخيرة للحكم الملكي عندما أسقطت حكومة نوري السعيد عام 1955 الجنسية العراقية عنه وعن عدد من الشخصيات الوطنية المعارضة الأخرى.
ولأنني لا أتذكر ملامح المرحوم نعيم العزاوي جيداً، فقد اكدت أربعة مصادر لي ، الأول هو شخصية سياسية فاضلة كانت تجمعه مع العزاوي آراء سياسية مشتركة وهو الذي تفضل عليّ مشكوراً بهذه الصورة، والثلاثة الآخرين من الذين عملوا معه في واع ، أن نعيم ، وبالتأكيد هوالشخص الذي يظهر في الصورة المرفقة على يسار الرئيس عبد السلام عارف وهو بالبدلة المدنية وربطة العنق يتحدث إلى رئيس الجمهورية .
ولهذه الصورة قصة وهي أنها كانت ضمن نشاطات الرئيس عبد السلام وبرفقته كبار المسؤولين بعد 18 تشرين الثاني عام 1963 وأبرزهم الفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء ، والزعيم الركن عبد الكريم فرحان وزير الإرشاد ، وجميعهم بالملابس العسكرية بإستثناء العزاوي، وحصل خلاف على المكان الذي ألتقطت فيه.
وقيل في الفيسبوك قبل عدة سنوات، خطأً ، إن هذه الصورة كانت خلال أفتتاح رئيس الجمهورية عبد السلام عارف لمدينة الطب ببغداد بينما الصحيح هو ان الرئيس أحمد حسن البكر وليس الرئيس عبد السلام من أفتتح مدينة الطب عام 1971 ولا علاقة لنعيم العزاوي بالقطاع الصحي.
وبما أن العزاوي في هذه الصورة يرافق رئيس الجمهورية وصحبه، فقد تحدثت التخمينات عن إحتمالين إثنين في تفسيرها :
الأول هو أن تكون الصورة لزيارة تفقدية لمؤسسة صحفية أو إعلامية ، وعلى الأغلب الإذاعة والتلفزيون.
وليس هنالك في تاريخ الصحافة العراقية أي دليل على ان الرئيس عبد السلام وصحبه ، بالملابس العسكرية ، ولا بالملابس المدنية ، قد زار مكاتب أية جريدة سياسية يومية ولا مكاتب وكالة الأنباء العراقية.
ولما كان الرئيس عارف وجميع مرافقيه في الصورة في حالة طوارىء عسكرية وربما في الأيام الأولى التي أعقبت 18 تشرين الثاني 1963 لذلك فإن الإحتمال الثاني هو أن الصورة إلتقطت في القصر الجمهوري ، ولكن وجود نعيم العزاوي في القصر الجمهوري يحتاج لتفسير من المصادر التي يمكن ان تكون على دراية بأحداث تلك الأيام.
وربما يوجد إحتمال ثالث من الصعب تخيله حتى تتوفر معلومات مؤكدة عن مكان إلتقاط الصورة.
وتؤكد بعض المصادر الموثوقة إن مكتب عبد اللطيف الكمالي عندما أصبح مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون كان مكتباً يتجمع فيه عدد من الشخصيات الناصرية يومياً تقريباً ومنهم عبد الله الركابي وعمر البجاري وأحمد فوزي عبد الجبار ونعيم العزاوي وآخرين .
ويرتبط أحمد فوزي بعلاقات صداقة متينة مع نعيم بالرغم من أنه لم يكن منتمياً لأية حركة ناصرية ، وكان نعيم يواصل التردد على صديقه في مكاتب أية وظيفة تولاها ، وحتى عندما أصبح أحمد فوزي رئيساً لتحرير جريدة ( الجمهورية ) بعد قانون تنظيم الصحافة في الثالث من كانون الأول عام 1968 كان يتردد عليه يومياً تقريباً.
وتؤكد البحوث الصحفية أن نعيم العزاوي أدار مجلة ( الحقوقي) التي كانت جمعية الحقوقيين العراقيين تصدرها وتخصصت في إنتقاد سياسة رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز وتتهمه بخرق الدستور على إعتبار أن الدستور ينص فقط على تولي رئيس الوزراء لسلطات رئيس الجمهورية في حالة العجز والوفاة ، وليس في حالة غيابه في رحلة رسمية خارج العراق.
وفي إحدى المرات نشر العزاوي في مجلته هذه كارتوناً بقبضة خنجر تمزق الدستور مع حرف باء، وكان ذلك كافياً لحكومة البزاز لاعتقاله ، لكن الرئيس عبد السلام عارف أطلق سراحه فور عودته من رحلته خارج العراق.
ونعيم العزاوي من مواليد عام 1936 وتوفي ببغداد في بيته بحي الخضراء في يوم 21 نيسان عام 1991 عن عمر ناهز 55 عاماً.
{ باحث في تاريخ الصحافة العراقية