لم يعد الغرب ينظر الى الشرق كما كان ينظر اليه قديما . الجديد في نظرته انه يريد ان يُظهرَ انه يتحاشى هذا الشرق ولا يهتم به . لهذا يتعمدون على ان تكون علاقتنا معهم بهاجس بيع الدبابة وشرائها ، حتى النفط يفكرون ببدائله بجدية كبيرة.
وأظن أن الأمر جزء من نصائح المخضرم هنري كيسنجر في التعامل الجديد في العلاقة بين الغرب الذي تكاد امريكا ان تكون واجهته الكبيرة وبين الشرق الذي تتحرك المشاهد فيه في خارطة الصين والشرق الاوسط وكوريا الشمالية .
ما ننظر اليه الآن هو ما يراه الغرب في هذا الشرق الذي اصبح عبئا اكثر مما يكون فائدة ، فلقد تعددت مشاهد الفوضى والتحدي فيه ، وربما الفهم الامريكي الجديد يقوم الان لولا وجود اسرائيل وتعهدنا في حمايتها وابقاء وجودها لأغلقنا حتى سفاراتنا في الشرق الاوسط ، فقديما كان هاجس امريكا الاول الحرب العربية ــ الإسرائيلية كمشكلة طال امدها واصبحت اثيرة ، وكان التعامل معها يخضع لتجاذبات اقطاب دول الحرب الباردة فرضت ان تكون مبادرة ومعاهدة سلام بين فترة واخرى ، وقد دخلت في هامش هذا الصراع الحرب العراقية ــالايرانية .وثمانية سنوات ثم شعر المتحاربان بالتعب واللاجدوى فتم ايقافها .
الآن تنظر امريكا ( الغرب ) على ان ايران النووية جبهة ساخنة ومصدر قلق ، واليمن وجماعة عبد الملك الحوثي قلق ، والعراق الذي ترتبك الامور فيه بين فترة واخرى مع تواجد البي ك ك في سنجار وجبال قنديل قلق ، وسوريا واوضاعها المقلقة بين الدولة وفصائل ادلب وريف حلب وقسد قلق ايضا ، والسيد حسن نصر الله قلق ، والاسلاميون في غزة قلق ، والاحتراب الداخلي في ليبيا قلق ، والشباب المتدين والمسلح في الصومال قلق . وداعش والتطرف الديني المسلح قلق ، حتى الارتباك الاخير في العلاقة السعودية ــ الامريكية في قرارات اوبك الاخيرة قلق ايضا .
كل هذه المقلقات تدفع امريكا بالابتعاد عن فوضى المكان وتعقيداتها ويبدو ان الامر بالنسبة لها خسائره اكثر من ربحه ،ولهذا صارت تلجأ الى المجاملات الدبلوماسية والوعود المعسولة التي يطلقها سفرائها في المنطقة.
إذن لن نتوقع ثانية ان نرى او نسمع وقع بساطيل جنود المارينز او صخب مجنزرات دبابات البرامز ، لم يعد الغرب قانع بفكرة اعطاء ضحايا من جنوده ،وكل الذي خسروه في احتلال العراق تم تعويضه نفطا . وبالرغم من هذا فان التعويض قد لا يقنعهم . لهذا يفكرون جديا بالتعامل مع الشرق الاوسط تحديدا على طريقة ( اتركهم .نارهم تأكل حطبهم ).