الحوكمة .. بوابة ألكترونية لتحقيق الرقي
رياض عبد الكريم
في منتصف عام 2014 وفي لقاء متلفز اجريته مع امين عام مجلس الوزراء آنذاك علي العلاق قال " لقد باشرنا في الامانة العامة لمجلس الوزراء بتطبيق منصة الحكومة الالكترونية وسنتوسع بها الى اقصى مايمكن من تقديم الخدمات للمواطن واختزال حلقات الروتين والبيروقراطية.
وقبل فترة وجيزة صرح المتحدث بأسم الامانة العامة لمجلس الوزراء ، بأنه تم اكتمال العمل بالحكومة الالكترونية وعمل الامانة يعتمد الان كليا على خدمات الحكومة الالكترونية واضاف بأنه اصبح بامكان المواطن الاتصال بأي قسم من اقسام الامانة عن طريق الانترنيت للاستفسار او متابعة اية معاملة تقدم بها لامانة مجلس الوزراء وسوف يتلقى الرد الفوري على استفساره ، وكذلك ربط كل الوزارات والمؤسسات بنظام الحوكمة ويجري تداول البريد ضمن دائرة الكترونية مغلقة .
هذه المبادرة لو صحت ، كان يمكن ان يشار اليها بالبنان والتقدير،وهي جزء من طموح اكبر كان يفترض ان يعمم على كل الوزارات والمؤسسات وباقي دوائر الدولة لان تحذو حذو الامانة العامة لمجلس الوزراء وتنهي معاناة المواطن من المراجعات المتكررة والمملة لدوائر الدولة وكثرة الوعود التي يتلقاها من الموظفين حول انهاء معاملته اضافة الى التعقيدات الروتينية التي تواجهه للحصول على مجرد توقيع من موظف في دائرة اخرى وفي مكان اخر، ولكن للاسف لم يحصل ذلك الا في حدود أقل من الحد الادنى للطموح او الوعود بالرغم من مرور ثمانية سنوات كان يمكن خلالها ان ينجز المشروع ، وبقيت معظم الدوائر والمؤسسات تعمل بنظام اداري متخلف وروتيني تنفق فيه مبالغ هائلة على الاوراق والقرطاسية وتهدر الكثير من الوقت وتستنزف وقت وجهد المواطن الذي بقي متمسكا بشبابيك المراجعات للدوائر على أمل الحصول على اجابة مقنعة حول معاملته او القضية التي يراجع من اجلها .
وكما نعلم فإن الحكومة الإلكترونية تتطرق إلى تقديم الخدمات الإلكترونية عبر الإنترنت وتحقيق الكفاءة الداخلية وقبض الأموال المستحقة على الخدمات وجباية الضرائب بمختلف أنواعها وسوف يكون من السهل على الإدارة أن تتعامل مع مجموعة تلك الخدمات على أنها كيانات تنظيمية فيصبح بالإمكان تعيين مسؤولين مختلفين عن كل قناة خدمية أو قسم من الحكومة الإلكترونية.
الخدمات الإلكترونية
وتشمل جميع الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة لجمهورها، ونظراً لطبيعة الحكومة الإلكترونية فإنها من الممكن أن تقدم تلك الخدمات خلال 24 ساعة في اليوم وعلى مدار السنة، وعادةً ما يتم بناء بوابة إلكترونية موحّدة للدخول إلى تلك الخدمات التي يتم تنظيمها وتجميعها ضمن باقات خدمية تعكس حاجات المواطن ومؤسسات الأعمال وليس الجهة الحكومية التي تقدمها، وبالإضافة إلى الإنترنت كوسيلة لطلب تلك الخدمات فمن الممكن للحكومة أن تقدم جزءاً منها عبر قنوات أخرى كالهاتف الجوال وأكشاك المعلومات العامة أو عبر مكاتب معتمدة في حالة المواطنين الذين لا يملكون ثقافة التكنولوجيا.
الديمقراطية الإلكترونية
ويهتم هذا الشق من الحكومة الإلكترونية بقضايا حساسة على مستوى البلاد وصورتها الديمقراطية وهو يعالج موضوعات مشاركة المواطن في عملية المحاسبة والمساءلة عبر تقديم المعلومات الكافية عن أداء الحكومة عبر الإنترنت ووسائل التكنولوجيا المختلفة، اضافة الى وجود نظام حماية عالي الكفاءة، فمن الممكن للمواطنين المشاركة بالإنتخابات عبر الإنترنت مما يؤدي إلى زيادة نسبة المشاركة وسرعة إصدار النتائج بالاضافة إلى تخفيض استهلاك الموارد البشرية المطلوبة لإدارة عمليات الاقتراع والتصويت.
ومن الخدمات التي يمكن للحكومة أن تقدمها في هذا المجال نذكر: منتديات النقاش الإلكترونية الهادفة إلى توسيع دائرة المواطنين الذين يرغبون في إبداء رأيهم في السياسات الحكومية، الحملات السياسية الإلكترونية، إستطلاع الشعب إلكترونياً حول قضايا خلافية قد تهم المواطن، نشر وتوثيق محاضر الجلسات الحكومية والبرلمانية عبر الإنترنت وغيرها. ولا شك أن موضوع الديمقراطية والمشاركة الإلكترونية من المواضيع الشائكة المطروحة على ساحة النقاش لأنها تعالج قضايا أساسية في صميم عملية الحكم وأي تطبيق خاطئ أو منقوص قد يعرّض ثقة الجمهور بالحكومة إلى الخطر، وبما أن العملية الديمقراطية قائمة على المثلث السياسي-المؤسساتي-الشعبي-التنموي ، يصبح من الضروري لأدوات تلك الديمقراطية في حال كانت إلكترونية أو مادية أن تصل إلى كل فئات وعناصر ذلك المثلث.
وعلى هذه الاساسات ، فأن الحكومة الالكترونية وضمن نطاق توسع الحاجات الاساسية للمواطن ، اصبحت ضرورة ملحة لايمكن الاستغناء عنها او تجاهلها او اهمالها وتأجيلها ، انها باتت جزء كبير من ضرورات البرنامج الاصلاحي الذي تدعو اليه الحكومة ، بل اصبحت بعض الانظمة المؤسساتية لايمكن ان تدار الا من خلال انظمة الحاسوب او المنصات الالكترونية ، مثل موارد المنافذ الحدودية ودوائر الضرائب وجوازات السفر والمصارف ومعاملات التقاعد وجباية اجور الماء والكهرباء ، اضافة الى مايمكن للهاتف النقال في ان يكون جزءا مكملا للانظمة والبرامج الحكومية في عمليات دفع المبالغ وحجوزات السفر والتسوق الالكتروني عبر الاون لاين ونشر الاعلانات والترويج للبضائع والمشتريات ، وكل هذه الامور اصبحت متاحة وبشكل يسير في كل دول العالم بما فيها دول الجوار التي باتت تعمل كليا عن بعد ودون الحاجة لمراجعة المواطن لدوائرها او مؤسساتها ، وأمر اخر يتحقق من خلال تطبيق الحوكمة او الاتمتة هو الاسهام في زيادة وعي المواطن وتحريك كوامنه في التعرف على هذا المنجز الكبير الذي حول العالم الى قرية صغيرة يمكن الوصول الى اي مكان فيه خلال ثواني عبر شبكات الانترنيت وباقي وسائل التواصل الاجتماعي .
مفهوم الحكومة الاكترونية
ولكي نعطي فكرة عن مفهوم الحكومة الاكترونية تعرف مصادر نقلا عن خبراء في شؤون التخطيط والادارة العلمية هذه المنصة على "انها تُسمّى أيضاً بالحوكمة الإلكترونيّة، وهي تطبيق تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات على الوظائف والإجراءات الحكومية بهدف زيادة الكفاءة والشفافيّة، وتعزيز مُشاركة المواطنين، ويوضّح هذا التعريف كيفيّة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة دعم في تطوير الحكم الرشيد، حيث يُتيح التطبيق المُلائم للحكومة الإلكترونيّة زيادة مستويات الفعاليّة والكفاءة في إنجاز المهام الحكوميّة، بالإضافة إلى تحسين وتسريع العمليات والإجراءات وزيادة جودة الخدمات العامّة، كما يُؤدي إلى تطوير عمليات صنع القرار، وإتاحة فرص التواصل بسلاسة بين المكاتب الحكوميّة المُختلفة. "
وتحدد مصادر اخرى أهداف الحكومة الإلكترونية بما يلي :
"خلق بيئة أفضل للأعمال، إذ يُساعد استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحكومة على تبسيط التفاعل والتعامُلات بين قطاع الحكومة وقطاع الأعمال. تعزيز الحوكمة الرشيدة، والشفافية، وتوسيع نطاق المشاركة العامة في وضع السياسات وصنع القرارات المساهمة في مكافحة الفساد، والحكومة الإلكترونية تضع حداً للفساد وتكون مصحوبةً بآليات تجعل سير الإجراءات الحكوميّة أكثر وضوحاً. اضافة الى تحسين إنتاجية وكفاءة الوكالات الحكومية، وزيادة إنتاجيّة الموظفين الحكوميين، والحدّ من النفقات العامة بتقليل عدد المكاتب، واستهلاك الورق. تقديم منافع لصالح المواطنين والإدارة العامّة على عدد من المستويات، إذ يُمكن الحصول على دخل جيّد من خلال جمع البيانات ونقلها للجهات المعنيّة."
من كل ماتقدم ، وضمن اطار عملية الاصلاح يأتي في مقدمة هذه العملية هو الاصلاح الاداري ، من خلال تفعيل منصة الحوكمة على نطاق واسع ، والانتهاء من العمليات الورقية ومراجعات المواطنين لدوائر ومؤسسات الدولة ، ولابأس من الاستعانة بخبرات عربية وعالمية لغرض نصب تلك المنصات وتدريب الكادر عليها وصولا الى خلق منظومة الكترونية شاملة وواسعة النطاق لا على مستوى بغداد العاصمة فقط وانما على نطاق العراق بأكمله ، فليس من المعقول وبعد مضي اكثر من تسعة عشر عاما ومازالت الدولة العراقية تعمل بالصيغ الادارية كما كانت تعمل في اربعينات وخمسينات القرن الماضي ، الامر الذي مهد الطريق لتحجيم عناصر التطوير الذاتي والاداري لموظفي الدولة وحد من حجم الابتكارات والابداعات على النطاق الاداري، وسمح للفساد والرشوة بالانتشار بشكل واسع جعل الدولة عاجزة عن محاربتهما والقضاء عليهما .
ازاء كل ذلك ينبغي ان تكون من اولويات رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني ان يضع في برنامحه الحكومي تأسيس منظومة مركزية الكترونية ترتبط بها كل مؤسسات الدولة ومرافقها والاستعانة بخبرات عريقة ومتخصصة محلية او عربية او عالمية واعطاء هذا الامر اهمية بالغة كونه قد غاب عن برامج كل الحكومات السابقة التي لم تعر اية اهمية لهذا الامر وفضلت عليه الاهتمام ببنية تحتية شابها الفساد والترهل ، وصرفت عليها مليارات الدولارات دون طائل يذكر .