عن مِحنةِ الاستِحمار الفكريّ
محمد الكلابي
أسوأُ أشكالِ الاستحمار الفكريّ ، عندما يُعلّمونك أنّ صُندوقَ الحقيقة ملأه السّلف ولم يعُد هناك ماتُضيفه إليه ،فاذا أردّت التزوّد بها فما عليك إلا أن تغرِف من صندوقهم ناقلاً ولستَ عاقلاً . فقد أراحوك من إعمالِ العقل لأنّ عقلَك قاصرٌ أمامَ عقولهم ورؤيتك ضيّقة أمامَ رؤيتهم ، وتمنطُقك بغير عقلهم زندقة ( من تمنطقَ فقد تزندَق) ! .
يا صاحِ : دع مِحراث الشّك يغور في أعماقِ وجدانك ، ويحفُر أثلاماً أثلاماً ، فالحقيقةُ لا تستنبّت بالتسليم .
يا صاحِ : حلِّق بأجنحةِ الشّك ، وكلّما اعتليتَ بالتحليق أكثر ، تكشّفت الحقائق أمام ناظريك أكثر ،فلا تُبصر بعيون أحد،لأنّك لن ترى إلاّ مايراه أو يريدك أن تراه .
يا صاحِ :إصغِ الى كلّ الأصواتِ وليكُن عقلك ناظماً للتمييز بين الرّخيم والنّشاز ، ولا تسمع بآذان أحد لأنّك لن تسمع إلّا مايسمعه ، أو يريدك أن تسمعه .
يا رفيقي : سِرّ متخبّطاً في العراءِ اللّامتناهي حتى تُدرك دربَ الحقيقة ولا تسِرّ بأقدامِ أحد ، لأنّه لن يوصلك إلا عبر طريق ارتأه ، أو أرادكَ أن تراه .
يا صديقي:ليست المُسلّمات مهما كان مصدرُها دينياً أو وطنياً أو قومياً او إنسانياً ، حجةً على العقلِ والعاقلين . نحنُ لا نختلفُ عن أسلافِنا القدامى جِينياً ، لدينا نفسُ الجِينات ونفسُ المقدّرات العقلية ونفس الإمكانيات الجسدية ، ولكنّنا نربو عليهم ونفوقُهم بامتلاك أدوات التفكير وآلياته ، نفوقُهم في أنّنا بفعلِ التطور الصاروخيّ سيطرنا على الكوكب وأدركنا قوانين الطبيعة وآلياتها ،جعلنا العالم قاطبةً خلفَ شاشاتِ حواسيبنا وهواتفنا . ولكن للأسف مازالت مجتمعاتنا في سجننا العربي الكبير محكومةٌ من أموات ألبسناها قدُرات خارقة ، ووعي مُتجاوز للزمكانية، جعلنا منهم أوثاناُ نعبدُها وننزّهها عن الأنسنة ، ألبسناهم ثوبَ العصمة والقدَاسة . علما أنّنا بآليات العلم والمعرفة المتاحة نفوقهم معرفة ووعيا وعلما ، وبالنوادي الرياضية المتاحة بإمكانياتها الحداثية ومكننتها نفوقُهم جسدياً ومتانة وقوة. فمتى سنُدرك ونعي أنّ دِفقَ التطور يجري ونحنُ نسبحُ عكس التيّار ! .