المجد للشاي والقهوة
عباس عبود سالم
ارتبط الشاي بانكلترا رغم اصوله الصينية، وارتبطت القهوة بفرنسا ولاحقا بامريكا رغم اصولها العربية.
كان الشاي الى وقت قريب اكثر المشروبات شعبية لدى الدول التي سبق ان استعمرتها بريطانيا ومنها العراق والولايات المتحدة واصبحت القهوة هي المشروب الاكثر شعبية لدى الدول الفرنكوفونية ودول حوض المتوسط.. وفي الموروث العراقي اكتسب الشاي شعبية كاسحة واقترن بالافراح والمسرات واجتماعات الاحباب، حيث ارتبط الشاي العراقي بالحب والوئام المجتمعي وحديث المقاهي بين الاصدقاء وسجلت ذاكرتهم صورة القوري و الاستـــــكان كرموز ايقونية تهتز لها وجدان العراقيين اينما حلوا.
مجالس عزاء
كيف لا وهذا الشاي الذي غنت له سليمة مراد اشهر اغانيها التي مازال يرددها المغنون الى اليوم (خدري الجاي خدري..عيوني لمن اخدره)
وارتبطت القهوة لدى اهل العراق بمجالس العزاء ومضايف الشيوخ وكرمهم، وتمكن الشاي من اكتساح المقاهي و(الجاي خانات) التي فضل العراقيون ان يسمونها (گهوة) ويشربون فيها الشاي رغم غياب القهوة عنها بشكل شبه تام!
ليحتفظ الشاي بهيمنة مطلقة عل (گهاوي) العراق الخالية من القهوة لعقود طويلة.
لكن لدى اهل الشام راي آخر فاذا كانت باشا المطربات العراقيات سليمة مراد قد تغزلت بالشاي فان سيدة لبنان فيروز منحت القهوة امتياز عاطفي ورفعت من رصيدها باغنية (طلع لي البكي) التي يقول المقطع الثاني فيها
(بالقهوه البحريي و طلع بايديك ....و تشرب من فنجانك و اشرب من عينيك) وكانت سمراء البادية العربية سميرة توفيق ربطت القهوة ببطولات الرجال النشامى عندما انشدت كلمات اغنيتها الشهيرة التي تقول فيها "قهوتنا للأجوادي اول بادي..للي ناره وقادي بظلام الليل ...والقهوة السمرا ع الكيف لرجل السيف ...لرجال الحسوا بالحيف شالوا له شيل"
عام بعد عام يدخل الشاي تفاصيل حياة العراقيين ثم ينتقل الى مواضع الجنود ايام الحرب مع ايران ويتحول الى انيس ربات البيوت والمشروب الذي تجتمع عنده العائلة في عصرونيات صيف بغداد وليالي شتائها حيث برامج التلفزيون والكعك العراقي المميز..
عالميا انتقلت ثقافة القهوة الى الولايات المتحدة في الربع الاخير من القرن العشرين ليقلب القواعد في الدولة الوحيدة التي امتلكت حزبا سياسيا يحمل اسم (الشاي) ومن هناك ابتكر الامريكان انواع جديدة من القهوة واعادوا تصديرها الى العالم القديم عبر شركة (ستاربكس) التي غزت الارض من شمالها الى جنوبها للتحول الى احد اهم ايقونات عصر العولمة لكن بطعم القهوة وحورية البحر ذات الشعر الطويل التي اتخذتها ستاربكس شعار لها...
بعد كل هذه التطورات شهد ابناء جيلنا صراع (الفنجان) مع (الاستكان) الى ان انتصرت (الدلة) على (القوري) وانتصر (البن) على (الليبتون) بعد مخاض طويل
لتتقدم القهوة اجتماعيا ويراوح الشاي في مكانه كمشروب صحي يساعد على الهضم والتنحيف وبهذا تقاسم الشاي والقهوة مناطق النفوذ
فانحصر الشاي فقط ضمن مجالات الصحة والعمل والحركة، واجتماعات الشاي التي تغلب عليها الجدية....
في حين ارتبطت القهوة بالثقافة والحب واشراقة الصباح والتامل والقراءة والاسرار..
فتنوعت وانتشرت مكائن صناعة وتحضير وبيع وطرق تقديم القهوة، وتعددت اصنافها والوانها وانواعها وخلطاتها الكولومبية واليمانية والبرازيلية والفرنسية، واحتفظ الشاي بملامحه التي تشبه لندن بتقاليدها المحافظة .
نوع جديد
وصرنا نسمع كل يوم بنوع جديد من القهوة وكل نوع يجسد هوية شعب مثل القهوة التركية التي تتميز بطعمها ومذاقها المر، والقهوة الفرنسية ذات المذاق المميز، والقهوة الامريكية التي انتجت مشتقات عائلة القهوة باجيالها الجديدة مثل اللاتييه والموگا والكابتشينو والاسبيريسو وغيرها..
ورغم هيمنة وسطوة القهوة وثقافتها الرومانسية بكل اقترانــــاتها الشرطية التي ارتبــطت بها، مازال استكان الــشاي العراقي يصارع للبقاء ففــــــي الوقت الذي تطرب فيه اذان العـــشاق لـــفيروز وهي تشدو :
"في قهوة عالمفرق في موقدة و في نار
نبقى أنا و حبيبي نفرشها بالأسرار"
مازالت سليمة مراد تردد لازمتها الخالدة "عيوني لمن اخدره" لتتجسد صورة الشاي بامراة تصنعه وتزيد حلاوته باحساسها ووجودها ورجل يحتسبه بمزاج يعيد لاستكان الچاي هيبته.