النازحون

عبد المطلب ملا أسد

كانت الفاو جميلة بما يكفي لتكون منطقة سياحية ، وكبيرة بما يكفي لتكون المحافظة التاسعة عشر ، وهادئة بما يكفي لتكون مضربا للأمثال بطيبة أهلها وتواضعهم وتآلفهم ، موقعها الإستراتيجي في رأس الخليج العربي والمتصل بالطريق  البري عبر الوطن الحبيب والذي يوصل إلى كل أنحاء العالم شمالا وشرقا وغربا ويربطها من جهة البحر بالدول المطلة على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب حفّز سكانها على مزاولة التجارة وصناعة السفن التي تحمل البضائع من وإلى تلك البلدان كما إن موقعها على ضفة شط العرب جعل منها غابة كبيرة للنخيل والأعناب والمشمش والتوت والرمان والسفرجل والتفاح المحلي والحناء فامتهن الكثير من سكانها الزراعة التي كانت تدر عليهم رزقا دائم البركة أما الأسماك وتنوعها فشىء مختلف عن كل بقاع الدنيا فسواحل الفاو الجنوبية تطل على الخليج العربي مما يمكِّن الصيادين من اصطياد الأسماك البحرية كالزبيدي والهامور والداقوق والنويبي والشماهي بينما تعيش أسماك البني والقطان والكارب في أنهارها المتفرعة من شط العرب.عندما اندلعت الحرب فقد كل هؤلاء أعمالهم وأموالهم وعلاقاتهم الإجتماعية وصار لزاما عليهم العيش في مجتمعات أخرى والبحث عن وظائف أخرى .الحرب التي امتدت لثمان سنين لم تبقِ لهم إلا جذوع نخيل مهشمة وأنهارا مطمورة ومغروسات حديدية تتوزع على طول الأراضي الزراعية وعرضها (ألغام وقذائف غير منفلقة وأسلاك شائكة) وبعض الصور والذكريات القديمة فالمدينة لم تعد لسابق عهدها حيث جرِّفت منازلها وأعيد بناؤها بشكل مختلف .

يعيش الكثير من سكان الفاو بعيدا عن أرضهم حتى هذه الساعة ويكافح العائدون اللسان الملحي الذي يفتك بمزروعاتهم ومواشيهم بين الحين والآخر إضافة لكثير من التحديات التي لم تلتفت إليها الحكومات المتعاقبة .

كل الحكومات التي ادعت الوطنية والحرص على المواطن باعتباره قيمة عليا ورأس مال الوطن الأهم لم تحرك ساكنا ولم تبذل جهدا لإعادة الأمور لسابق عهدها .

قضية الفاو ليست الأولى ولا الأخيرة في سلسلة النزوح التي عصفت بالكثير من سكان هذا الوطن من شماله إلى جنوبه تنتظر الحل الناجع والنهائي .