شكراً سيدي أبا هاشم
علي كريم خضير
بعد أن وصل المشهد السياسي إلى طريق مسدود وتفاقم الأمر إلى صدامات مسلحة ذهب ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى وأُدخلت البلاد في ظروف مقلقة جداً، وبينما نحن نعيش هذه الأجواء المؤلمة، إذ لاح لنا بارق الأمل واعتدلت كفَّتا السفينة التي ولجت تمخر في عباب الأمواج المتلاطمة، فهدأتْ العاصفة وانسلَّت طرود الشرِّ عن هذا الجمع الغفير المحتقن بنار الغيظ المضرم على أزيز الرَّصاص وهدير الشباب المتأجج بالعنفوان وعدم المبالاة بالموت بسبب تراجع العمل الحكومي على مدى سبعة عشر عاماً واعتماد المحاصصة الحزبية والمكوناتية أُسلوباً في تشكيل الحكومات كافة، وبعد أن عجزت كلُّ القوى المؤثرة في محاولة تغيير هذا النهج الخاطيء في الإدارة، حتى وصل الأمر بالمرجعية الرشيدة إلى أن تعلن عن يأسها المُحزن بقولها: (لقد بُحَّ صوتُ المرجعية) وعلقت توجيهاتها السياسية في خطب الجمعة قبل سنوات من الآن، وباتت الأشكاليات تُرحّل من حكومة إلى أُخرى وأصبح الضغط الجماهيري يزداد شيئاً فشيئاً، وفي خضمِّ هذا السيل الجارف من المطالبات لم تستطع أي حكومة مهما كانت تنماز بحسن الأداء، أن تلبي طموح المواطنين أو تزيل الجمود الفاصل بينها وبين الشعب.
مواد الدستور
وعلى الرغم من الدعوات الصريحة من السيد مقتدى الصدر بإذابة هذا الجمود عبر تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بيــد أن دعواته كانت تفتقر إلى التطابق مع مواد الدستور العراقي بذات الشأن، فوجد أن اللجوء إلى مجلس القضاء الأعلى يعدُّ مخرجاً مناسباً في تقويم النظام السياسي الحالي في العــــراق، وقد تكون هذه النظرة من الناحية الشكلية صائبةً، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ السلطة القضائية تعمل وفق نظام قضائي محدد لايجوز اختراقه، أو تفسيره وفــــق الأهواء، أو الإرادات الخاصة، وبذلك ردَّت على هذه المطالبات بالرفض لعدم مشروعيتها استناداً الى موادِّ الدستور العراقي النافذ. ولسنا بصدد المراجعة، أو إثارة نقاط خلافية أُخرى، ولكنَّ التجارب السابقة أثبتت فشل آليات النظام السياسي في حيِّز التطبيق، وعدم استغلال ايجابياته بالطريقة الحضارية التي ينبغي أن تكون عليها حتَّى زكمت الأنوف برائحة الفساد الذي وجد فيه الفاسدون ضالتهم فطالتْ أياديهم الأموال العامة، وخُرِّبت البلاد والعباد بفعل هذه التصرفات غير المسؤولة، وقد وجدت دعوات السيد الصدر آذاناً صاغية في أوساط المجتمع والعالم، إذ حملت معاني الإصلاح وتصحيح المسار السياسي، بيد إن التلقي من قبل بعض مريديه خرجت عن إطار ما كان يرمي إليه فحصلت اخفاقات هنا وهناك، حملت السيد( أعزَّه الله) إلى رمي كل من اقترفها بالأثم، وحكم على الثورة الإصلاحية بالفشل. ووجد أن مصلحة الوطن والشعب تقتضي توقّف كل الأفعال الاحتجاجية بسبب الدماء التي أُريقت، فابتدأ قوله بالإعتذار من الشعب العراقي وختمه بالانسحاب الفوري من ميادين الاعتصام كافة، وبذلك كانت نظرة السيد تتسم بالعقل والحكمة وتجسد حبه لأبناء شعبه وسمعة وطنه في تغليب الأهم على الجانب المهم، بدرأ فتنةٍ كادت ان يبيد اشتعالها الحرث والنسل ويودي بالعراق إلى الهاوية.فشكراً سيدي المقتدى على موقفك الوطني المسؤول .. وشكراً لحرصك الكبير على دفع السلم الأهلي والمجتمعي إلى الواجهة من جديد. وأملنا راسخاً باعتماد توصيات السيد الصدر في اجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد حلِّ البرلمان وفق السياقات الدستورية وتعديل قانون الانتخابات واعادة هيكلة النظام السياسي بما يتلائم مع حاجة البلد ورغبة الشعب العراقي في ذلك.