الوظيفة العامة شرقاً وغرباً
عبدالكريم يحيى الزيباري
كان مجلس شيوخ روما التي حَكمت العالَم القديم لألف سنة تقريباً، يختار كلَّ سنة عضواً لقيادة جيوشها، ولمَّا يعود منتصراً، لا يدخل روما بالسلاح ولا بالجيش، كل شيء يبقى وراء نهر الروبيكون، وحين عبرَ يوليوس قيصر النهر، اندلعت حربٌ أهلية أودت به. يعود القائد الروماني منتصراً، يجول شوارع روما في عربته والناس تستقبله بالورود وأكاليل الغار، ولئلا يغترَّ وينسى نفسه، ويجرجر البلاد إلى ما لا تُحمد عُقباه، يستأجرُ مجلس الشيوخ رجلاً يجلس معه في العربة، يهمس في أذنه وهو في عزِّ انتصاره مزهوَّاً بنفسه: أنتَ بشر، أنتَ بشر! لستَ إلهاً لتجرَّ البلاد إلى حربٍ أهلية، هؤلاء المساكين والفقراء ما ذنبهم؟ وإذا تناسى قلبك النسوة اللابسات السواد وأطفالهن المنتشرين في إشارات المرور، كالطيور أرزاقهم يوماً بيوم. ما ذنبنا لنموتَ جوعاً وقهراً وفقراً؟ لم نكن يوماً غُزاةً لجيراننا، فقط الكويت وإيران وخفجي السعودية وتهديد سوريا وتركيا. لم نكن يوماً فاسدين، نهتفُ للظالم أعدم، واشددْ الحبلَ ولم نهتف لكلِّ فاسدٍ اشترى كرسيَّهُ: بالروح بالدم نفديكَ يا وليَّ الدَم. ليت مجلس الوزراء يستأجر مديراً، يجتمع بموظفيه صباح كلِّ يوم، لدقائق فقط لتذكيرهم، أنَّهم يتقاضون أجراً لخدمة الناس وليس لتعذيب الناس. وكذلك رؤساء الأحزاب الأثرياء، خدمة الناس رايتكم، كقميص عثمان.
المصيبة جذرها وعد بلفور: وَعْدُ مَنْ لا يَملكُ لِمَنْ لا يَستحِق! ولكلِّ وزيرٍ أبناء وزوجاتهم وبنات وأزواجهم وأشقاء وزوجاتهم وشقيقات وأزواجهم، والكل يبيع والكل يقبض، مقابل جرَّة قلم! ورَبَّ وزيرٍ يقفُ مانعاً لإقالة مدير قسمٍ فاسد، بسبب توصية فاسدة، مُضحيَّاً بسمعته وسيرته الوظيفية، والكل خبير ومحلل سياسي: قلتُ لكم، هذا المدير لن يطير، ما دام على الكرسي السيد الوزير!
لجنة عليا
ليت لجنة عليا من مجلس الوزراء تراجع عمل اللجنة الوزارية لتولي المَهَام، وتشرف بدورها على لجنة برئاسة المدير العام، والتي تشرف على لجان فرعية عِدَّة لتولي المَهام!
الفساد ينزل من الأعلى بهدوء كنبعِ ماء مسموم، لغاية 2010 لم يكن أحدٌ يدفعُ مقابل منصب مدير قسم، خجلاً أو بخلاً أو غير ذلك من الأسباب. جاء مديرٌ عام معروفٌ عنه النَّزاهة، سَلَّم مقاليد الأمور لشقيقه الأصغر وزوجته وجميع زوجات أشقائه، وشقيقاته اللاتي إحداهن ذهبت تطرق أبواب الجيران: التعيين بخمسة آلاف دولار، وقصص وحكايات تزكم الأنوف. وكلُّ هذا لا يهمنا بقدر ما يهمنا بيعه منصب مدير قسم مقابل قطعة أرض، تمَّ تسجيلها باسم شقيقه النزيه أخو النزيه، هذه العملية كانت كوعد بلفور، فتحت الباب على مصراعيه لعمليات بيع وابتزاز لا نهاية لها.
شرقاً: التمسك بالكرسي والتضحية بكلِّ شيء، بالغالي والنفيس والوقوف على الأبواب لأيام وأسابيع في سبيل البقاء جالساً على الكرسي، لتعذيب الناس وليس لخدمتهم. لأنَّهُ طالما تَعذَّب وهو يحاول الحصول عليه، وطالما تعذب وهو يحاول الاحتفاظ به، مع كثرة المنافسين الأسخياء في بيع بيوتهم وبيوت أشقائهم لشراء الكرسي ولو لسنةٍ واحدة. وإذا تعرَّضَ لعملية نصب واحتيال وما أكثرها، يسقط مسيلمة صريع جلطة قلبية لشهور في فراشهِ يعاني آلام الحسرة.
غرباً: ليس ثَمَّةَ داعٍ للغضب والبكاء وأهازيج الثأر ورقصات الموت، يجب علينا التفكير بهدوء والتوقف عن الكلام غير المنتج. والقاعدة دعه يعمل دعه يمر.
شرقاً: وهذا المنصب للعشيرة الفلانية والطائفة العلانية والقومية الفلانية المظلومة، والمدينة لأهلها! وين يروح المطلوب لنا. والطوب أحسن لو مْكواري. وليس قولي يُرادُ لكن فِعالي. الخيل والليل والبيداءُ تعرفني. مجرد ظاهرة صوتية!