الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السعادة في السؤال

بواسطة azzaman

السعادة في السؤال

محمد صالح البدراني

 

سألت نفسي عن السعادة فأجبت عنها في مقال سابق أسميته السعادة لحظات، بيد أنى وجدت أن الجواب لا يكفي فتوجهت للأصدقاء اسأل فسألت: هل السعادة غنى المال؟ هل السعادة اكتفاء؟ أم بعد حرمان ارتواء.

فالمال يشغلنا حتى ظننا انه الرزق كله ونسينا إن كل ما عندنا هو رزق متاح وكرم، ما بين صحة وفراغ وزوج صالح(ــة) وأبناء لا يأتيك منهم إلا خير السلوك، أو عكس كل هذا فنجد استيقاظ لما ذكرته في مقال ميزان الذهب في فقرة المال والجاه والمنصب، ومن حاز كل هذا فهو امتحان في الزيادة والنقصان، فرب خير في حجب ما نظنه خيرا.

أتتني أجوبة من وأخواتي وإخوتي وأبنائي تجاوزت المحددات

((اكتفاء، أن تجد شيئا ما بانتظارك، القناعة، رضا الله ومحبة الناس، أن تحظى بكل ما يريح جوارحك))

الإنسان ثنائية سواها الله للحياة الدنيا عندما تلتحم النفس بالجسد فيبشر المحمول الحامل والوالد بما ولد باني هنا، ومع هذه الثنائية ثنائية النجدين.

ستطالبك الغريزة، وستطالبك الحاجة، وستطالبك المشاعر التي تحركها الاثنتين والتي قد لا تستطيع تفسيرها أحيانا رغم أنك ستدخل باب الفساد إن استجبت لها سواء بدوافع الهوى والمال أو الغرائز بعمومها والحاجات بمختصر الكلام.

فاين السعادة ؟

هل الاكتفاء سيسعدك؟ وفق قواعد مجتمعنا الحاجات وإشباع الغرائز دون أن تكون عن طريق سليم، لا تأتي بالسعادة لاختراق قيمة أو عرف وربما أسس للكينونة والذات، أو على الأقل فساد لواقعك بما لا ينال وفق القانون أو قواعد العرف أو الدين فالاكتفاء اذًا إشباع وليس سعادة.

ولعلك تذهب إلى بيتك فتجد ما تحتاج وما كنت تأمل سواء بتحقيق امنيه في فكرك، أو تواصل مع أهل أو حبيب؛ بيد أن تحقيق هذا هو شعور عبور الحالة من الخيال إلى الواقع وهي حالة مفاجأة وانبهار قد تلامس معنى السعادة اللحظية لكنها قد تكون لها نتائج سلبية لأنها ستفقد ضرورة معالجة الإنسان عقليا لتلك المسألة وبالتالي قد يمر طالب لزوج غير صالح، أو قبول هدية لمن سيمن عليك بها أو تبقى في حدود سعادة اللحظة التي لا نستطيع الحكم على مخرجاتها.

أما رضى الله والناس فالأولى سعادة في حياة أخرى لا تحسها في الدنيا، والحقيقة أن تلك الحياة هي الحياة السعيدة وفق معتقدات الأديان، وأما رضى الناس فهي غاية لا تدرك تمتدح لذات الفعل وتذم له، فالبحث عن هذا قيد وهم لا يصل بك إلى رضاك ومبتغاك ولا لقناعتك ولا لأي وصف ممكن أن يوصف به فهو ليس سعادة وإنما نوع من الرضا في تحقيق الذات.

أن تحظى بكل ما يريح جوارحك، ذلك كمثل الاكتفاء في ظاهر القول، لكن بالمعنى الذي تتباه المتصوفة هو الأدب لتلك الجوارح وكفها عما تجترح إن اجترحت بغير آدابه وحقه، وهي في الحقيقة منطلق لفكرة السعادة لمن فهم وليس من اتبع وأطاع، وغالبا ما تفشل في تحقيق هذا وتذهب إلى القناعة وكمعنى أوضحناه والاستسلام.

ما لسعادة إذن ؟

آمالنا أطول من عمرنا وقدراتنا، لذا لو فكرنا وتأملنا سنجد أن أكثر ما يريح النفس هي ثلاث، العمل والعطاء فهي تكامل وتمهيد لطريق الجنة عند طالبيها، والسعادة (بالاستغناء) تحرر الإنسان من سطوة الغريزة وضغط الحاجة. والرغبة باقتناء ما يمكن تركه.

لكن هذا مالم يتولد عزمه وتدعمه الإرادة يصبح كلاما كغيره طوباويا، فالسعادة تماهي الإنسان وسنن الكون وفهم حركة الحياة بطلب الأمور دون إلحاح أو تبني الأفكار الجانحة أو السعي لما يدور في الذهن دون توفر لوازمه فيــبني الوهم عشه؛ وذا ليس بالأمر اليسير مع ضعف الإنسان أمام عوامل تكوينه، ويبقى الحل فيما لم يقال.

الإنسان لا تطفئ غريزته إلا وفق سنن خلقه حيث تهدأ بعضها وتثور أخرى، ومع انخفاض غريزة النوع تعلو غريزة حب البقاء، التي هي مآل كل غريزة لمن فقد السيادة والتملك وغيرها.

قد تريد إنسانا لقربك ولكن لا تطال هذا فأمامك الم مستمر أو استغناء عقلي يحول مجرى غريزة النوع وما تطلقه من مشاعر تحرك المنظومة العقلية لدرجة استعمارها فتجد ما تريد لا يفارقك في خيالك وان أبعدته عنك السنون والزمكان، فلا علاج لهذا إلا بالاستغناء، هنا يعود التوازن لنفسك.

وهكذا تفسر الأمور بالاستغناء ليس لذاته وإنما للتوازن الذي تحدثه هذا تفسير يبدو مقنعا لتعريف السعادة التي ستبقى سؤالا كبيرا في دار الأرض التي نشأت كدار ابتلاء، وغياب العزم، فسعادة الدنيا هي لحظات التوازن النفسي واللحظات ليس الزمن وإنما هي موطن الاطمئنان.

لابد أن نفكر ونحن نسعى أن الفرح قد يأتي بلحظة سعادة لا يستعيدها تذكرها إلا تأسيا، وان الألم تستعيده الذاكرة بألم وحسرة، فنحرص أن لانترك الألم عند الآخرين ونحن نبحث عن سعادتنا.


مشاهدات 891
أضيف 2022/07/24 - 5:09 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 8:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 347 الشهر 11471 الكلي 9362008
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير