علي النجار يكسر النمطية بلوحة تركيبية: التشكيلي يعمل بذهنه وليس يديه فقط
بغداد - رجاء حميد رشيد
لاشك أن أي شيء خارج عن المألوف يثير التساؤل والجدل والبحث لمعرفة أولياته ومعانيه ، وهذا ما لفت انتباهي حالما وقع نظري على العمل التشكيلي للفنان المغترب علي النجار ولوحته الفنية التي حملت عنوان ميديا. ميديا النجار..عمل تركيبي يلفت نظر المتلقي حال دخوله إلى استعلامات وزارة الثقافة ثم إلى الممر المؤدي إلى قاعات العرض وسرعان ما تقع عينه على سلة المهملات المرمية على بعد متر تقريبا على الأرض وشريط الجرائد الورقية النازل من الفم المرسوم في وسط اللوحة المثبتة على يمين جدار القاعة ، اللوحة تكسر الصورة النمطية السائدة في الفن التشكيلي ، وهي عبارة عن فم مفتوح تتوسطه الصحف الورقية بمثابة لسان متدلي وعلى جانبيه رموز تعبيرية لتأخذ حيزاً من ارض قاعة العرض وتصب في حاوية النفايات البنية اللون بلاستيكية الصنع ، رمزية اللوحة على الجانبين تحتاج تأمل وتفكر لفك شفرة رموزها وفهم معانيها ، ولشرح وتفسير هذا العمل الفني التقيت بصاحب اللوحة الغريبة ، الفنان علي النجار في المرسم الحر والتي اسماها ميديا . ترجمة معنى كلمة ميديا إذاعة ، إعلام ، إعلامي / تلفاز , صحافة ، وسائط ، وهذا ما جسده النجار بعمله الفني خلال مشاركته في مهرجان الواسطي للفنون التشكيلية بدورته الرابعة عشرة عن ذلك يقول: حاولت إن تكون مشاركتي مغايرة عن كل الأعمال الموجودة في المعرض ، حيث اشتغلت انستتليشن ( التجميع ) لتقديم الميديا (الصورة ، الخبر ، الخ) ، وتعني أن الميديا بكل فنونها الإعلامية والصحفية تضخ طوال اليوم برامجها المتنوعة الموجهة إلينا كجمهور ولكن في أخر النهار نرميها في سلة المهملات لأنها غير نافعة فهي مجرد أخبار مضللة ودعاية ، وأوضح ، يتوسط اللوحة فم مفتوح لشخص تخرج منه جرائد ، والجرائد تصب في سلة المهملات ، وعلى جانبي اللوحة رموز معينة ، فنحن المغتربين في الخارج وفي أوربا لكل منا رقم شخصي يحتوي على بياناته الشخصية ( ولادته ، يوم ، شهر ، سنة ) ويتكون الرمز من أربعة أرقام تمثل الملف الشخصي وتتضمن ( الجريمة ، العمل الحسن ، المخالفة ، الانجاز ) كله مثبت ومدون داخل هذا الرقم الشخصي ، الذي يمثل حياة الشخص ، يعني هو نظام ديمقراطي وفي نفس الوقت هناك ضوابط صارمة وهذا ما تعنيه اللوحة.
نظام ديمقراطي
يصف النجار عمله الفني التركيبي قائلاً: أقدم بعملي هذا صورة للمغتربين في الخارج ، والقيود المفروضة علينا من خلال نظام ديمقراطي ولكن حديدي يلاحقنا في كل الأمور الحياتية الكبيرة والصغيرة ، ومن خلال هذا الرقم الشخصي نكون خاضعين تحت مجهر الرقابة دائماً ، في حين الصحف اليومية تعمل صباحا ومساءً على تبييض الأنظمة ، وكلها عبارة عن أوهام وأكاذيب ، وهذا يدل على أن كل الأنظمة واحدة ولكن بأساليب مختلفة ، وفي الفترة الأخيرة ما بعد الامبريالية ما يسمى عصر اللاواقع ، عصر اللاحقيقة ، لا يوجد حقيقة ، فدخلوا الأمريكان العراق دون أية حقائق ولا وثائق ولا يورانيوم كما ادعوا سبباً لدخول العراق ، كانت مجرد لعبة افتراضية وحجة للدخول إلى بلادنا .
{ ما رأيك بالفن العراقي الآن ؟
- الفن العراقي كما هو معروف يفتقر بشكل عام إلى كادر تدريسي له علاقة ما يدرس في دول العالم ، وذلك باستخدام أعمال أخرى غير الألوان غير الموضوعات السائدة ، يعبر من خلالها الفنانون عن أنفسهم بوسائل عديدة ، صور عديدة من الاستليشن الذي تحدثت عنه ، العمل المفاهيمي ، استخدام الفيديو جدا مهم بالتشكيل كل هذه الفنون غير موجودة الآن ، لا يوجد عمل تجميعي مفاهيمي ، فيديو ، استليشن ، وهذه تحتاج إلى كادر جديد لكي نواكب العالم المعاصر ، لان العالم لم يعد لوحة فقط. نحن الآن في عصر الميديا ، عصر العولمة، الكل تأخذ من الكل ، ويسمى عصر الأطراف ، أوربا تعتمد علينا وتأخذ منا الأطراف ونحن نستفيد أيضا من تقنياتها فيصبح تبادل ثقافي بين الجانبين .
{ وماذا عن أكاديمية الفنون الجميلة فهي الأكاديمية المتخصصة بالجانب الفني التدريسي ؟
- المشكلة منذ فترة الحرب العراقية الإيرانية لغاية الوقت الحاضر لم تذهب بعثات فنية إلى الخارج للاطلاع واكتساب الخبرات الجديدة وتطبيقها في بلدنا ، الفنانون الرواد كلهم درسوا في جامعات لندن وفرنسا الخ. و للأسف في العراق لدينا عدداَ من الجامعات تخرج سنوياً عدداَ من الطلبة ، ولكن لا نمتلك الكوادر المهمة التي تعمل على تخريج هذا الكم من التلاميذ ، هنا تكمن المسالة ، المفروض انتقاء الأفضل والأفضل للوصول إلى القمة لكي يكونوا مؤهلين بأن يصبحوا فنانين ليس بيدهم فقط بل بذهنهم وفكرهم ، فالفنان يعمل بذهنه وليس بيده فقط ، ومن الممكن لأي شخص أن يتدرب ليصبح رساما لكن التفكير الذهني مختلف وهذا هو الفرق.
{ هل تعتقد أن من بين الأجيال الجديدة من الفنانين ستبرز أسماء فنية على غرار جيل الرواد ؟
- حدثت انتقاله عالية جدا في جيل الستينات ، واختلاف كبير بين الأجيال السابقة ، وهذه مسألة طبيعية لان الرواد اشتغلوا في فترة الثلاثينات والأربعينات وتختلف تلك الفترة عن الستينات ، في خمسينات القرن الماضي حدث تغيير وانطلاقة في كل دول العالم ، طبيعي الذي يدرس في الستينات يختلف عن الذي يدرس في الثلاثينات فهناك اختلافات زمنية أما بالنسبة للخبرات السابقة والاستفادة منها ، هناك لبس في هذا المفهوم في بعض الأحيان ، فمثلا الفنان الذي يتتلمذ على يد فائق حسن يحاول أن يصبح مثله تمام ونفس أسلوبه في الرسم ، وهذا خطأ مطلق ، المفروض الفنان يجد نفسه ولا يجوز التشبه بالآخر ، وعلى الفنان أن يكسر القوالب و القواعد، والتي تعتمد على ذهنية الفنان نفسه.
دول العالم
{ ماذا أضافت لك الغربة ؟
اطلعت على أساليب جديدة لم تكن موجودة هنا في العراق واستفدت منها واشتغلت عليها. أنا رجل متقاعد هناك ولدي الجواز السويدي أسافر من خلاله إلى كل دول العالم ، ولكن عملي اغلبه في العراق ، فالسويد وفرت لي وأتاحت لي الفرصة لاشتغل لبلدي أكثر مما وفره بلدي في مجال عملي.
{ حدثنا عن أعمالك الفنية في الغربة ؟
- أقيم في السويد منذ عام 2000 وهاجرت من العراق عام 1997 أواصل عملي الفني كما في العراق ، اشتغلت أعمال مختلفة في الفن التشكيلي منها الرسم التينتج ، الاستليشن، العمل المفاهيمي ، قدمت مشاريع عديدة من ضمنها مشروع اليورانيوم المنضب الذي ضرب العراق منذ عام 1991 حتى عام 2003 كذلك مشروع آخر عن مرض السرطان) في قاعة جمعية التشكيليين السويديين كما ساهمت في عدة ورش فنية أوربية ، وأقمت معارض شخصية في المركز العراقي في ستوكهولم عند بداية افتتاحه الذي كان يحتوي على قاعتين وعرضت فيه حوالي 80 عملاً تفصيلياً عن اليورانيوم ، وأخر مساهمة كانت عن التشرينيين 2019 وكانت عبارة عن جدار كامل يحتوي على 100عمل تكنيك ، تخطيط وأحبار مع بورتريهات افتراضية ، وناس توقد الشموع وتقرأ سورة الفاتحة على أرواح شهداء تشرين ، مع فيديو ، كما قدمت أكثر من عشرة مشاريع منها مشروع زورق في مدينة توركو وهي العاصمة القديمة لفنلندا ، ولدي مشاريع عديدة أخرى.