أوربا تستدرك عقلها لتوطين السعادة
عادل سعد
رغم شدة ولع اليابانيين بالطقوس التاريخية فان مغادرتها بدأت تاخذ الان طابعاً تعسفيا ً لصالح النظرة المستقبلية التي يمكن ان تشد حالهم نحو الرؤية المستقبلية خلاصاً من كل اشكال الركود الذهني ، ولذلك ووفق احصائيات ان اكثر من خمس وعشرين الف براءة اختراع يتم ادارجها سنويا ضمن قائمة التطورات التقنية الاحدث (الهاي تك) لحساب اجيال جديدة من التقنيات الاكثر نشاطاً ، ويبدو ان الاوربيين التقطوا هذا الاستشعار ولكن ليس على منهج الخطى التقنية الخالصة واخذ الدروس منها ، بل على اساس اعطاء حصة وازنة للاقتصاد الاخضر دون التخلي عن متواليات التطور التقني الاحدث مع اعتماد ذات آليات التقصي واستخدام العصف الذهني والتداول باحدث الافكار العملية
لقد توصل مشاركون في مؤتمر لأصلاح شؤون الاتحاد الاوربي الى اعتماد 325 توصية ومقترح هدفها الدفع بأتجاه مناهج اكثر دقة في دعم مسارات التنمية المستدامة مع تقليل الكلفة البيئية القاسية
المؤتمر بنسخةٍ أستشاريةٍ شارك في وقائعه 800مواطن اوربي بمسؤوليات حكومية ومدنية وانطلقت اعماله في ايلول من العام الماضي 2021 وتضمنت آليات انعقاده تقسيم المشاركين الى 49 مجموعة ، درست وناقشت مقترحات من 50000الف اوربي على دراية ما بشأن ماتحتاجه مجموعة دولهم في اطار الشراكة القارية السائدة عبر منصات ب24 لغة ، اما الوصف العام لما جرى فهو مذهل بمقياسي الوقائع والنتائج ، ومع كل هذا العدد من التوصيات هناك من قال ، العدد قليل ، ولابدَّ لنا من تقليب الزوايا وسنجد قضايا اخرى تستحق التوقف عندها ، او لتهيئة بدائل لبعض أ?لاليات التي ينتهي مفعولها عند حينٍ معينٍ ، ولابد من وجود آليات احتياط من اجل استخدامها في توقيت ما
لقد تم اختتام المؤتمر بداية الاسبوع الاخير من شهر ايار الماضي،ومن المنتظر ان يتم تدارس نتائجه في سبتمبر (ايلول) المقبل على ايدي المؤسسات الاوربيةالاتحادية الثلاث ،(المفوضية ، المجلس ، البرلمان) تمهيداً لوضع المناسب منها على طريق التنفيذ .
الحال ، لست معنياً هنا الخوض في تفصيلات المداخلات التي طرحت فبه ، ولا في سرد كل التوصيات والمقترحات التي تم الاتفاق عليها، رغم انني تحمّلت عبء متابعتها بالتفاصيل ، ولكن يهمني ان اشرك القارى الكريم واتداول معه بقائمة عناوينها المركزية فحسب .
القائمة تضم مواجهة التلوث وتوطين الاقتصاد الاخضر والتصنيع والطاقة النظيفة ، والهجرة ، وفك ازدحام المدن ومعالجات الاغتراب النفسي والمجتمعي ، وعدم التفريط بالذكاء العاطفي ، وانتزاع المواطن الاوربي من كل كمائن التطرف والغلو والتعالي والعنصرية ، والحرص على التمتع بأبتسامات خالية من التنمر او أدعاء المفهومية المطلقة ، ومواجهة ظواهر الاسراف ، والافادة من النفايات باجراءات آمنه تقلل المخلفات ، والاستثمار في الطاقة النظيفة ، واستبدال الاعضاء البشرية التالفة ، بل والمواصلة الجادة والمثابرة من اجل سلم مجتمعي يحظى بالتأييد المطلق اخلاقياً ، وينتزع اوروبا من هويّة القارة الهرمة.
ظلال ميدانية
المفارقة هنا انه برغم كل الظلال الميدانية التي أربكت المشهد الاوربي على وقع الازمة الاوكرانية ألا ان المشاركين في المؤتمر واظبوا على اجندتهم المرسومة له دون ان تهتز فرائصهم من محتوى ان الحرب حدث طارئ ، وان الحياة الطبيعية هي التي تتميز بالديمومة في حين قال خبراء اوربيون لو ان الاتحاد الاوروبي مسك قدراته وتصالح مع جيرانيه بعيدا عن نزعات المغالبة وصراع النفوذ التقليدي ، ما حصل روسيا ـ اوكورانياً ما كان سيحصل ، وان المطاولة في الحرب ستؤخر المزيد من استحقاقات الاستجمام الاوروبي ، ولعل الانقــــــسام الواضح في مواقف الاتحاد الاوربي ازاء ذلك يكشف بصورة او بأخرى حجم التباين بين مواقف دولهِ ازاء هذا الطارئ مع ملاحظة حاسمة أطل بها احد الخبراء الاوربيين في مجال فلسفة الطوارئ (علينا الانتباه ، نحن لانستطيع استبدال جارتنا روسيا)
بخلاصة تحكمها المقارنة مع الكتل الاقليمية والقارية الاخرى ، يظل الاوربيون الان اكثر استشعاراً بالمخاطر التي تتهدد مستقبلهم منذ اتفاقية روما عام 1950 للحديد والصلب ، النواة الاولى لتأسيس السوق الاوربية المشتركة ، ثم تطوره الى الاتحاد الاوروبي ومعاهدة ماسترخت والاتفاقيات اللاحقة .
السؤال الذي يستحق الطرح والمناقشة على هامــــــــش هذا الحدث ماذا لو ان العرب ناقشــــــــوا بينهم مستقبل وجودهم على غرار ماحصل اوروبـــــــــياً في ظل مؤسسات قومية تجـــــــــمعهم منذ اربعينيات القرن الماضي ومازالت قائمة ، لكـــــــنها تعاني الاعتلال المزمن ، الاجابة نجدها في حالة ركودها، وبعضها في حالة موت سريري مع الاسف ، ان لــــــم اقل مسجاة بانتـــــــظار معجزة لأنقاذها .