الحكومة قتلت السياب
شامل بردان
يلزم القانون الدولي الحكومات الوارثة سداد التزام قام بذمة الحكومة التي قبلها، و يفترض فقهاء القانون ان لا تعارض بين روح المواد في القانون الداخلي للدولة و النصوص التي تنظمها القوانين والمعاهدات الدولية الملزمة، ومنها المواد التي ترعى حقوق الفرد و ترعى تعويضه ان وقع عليه ما يجور على حقه في حياة مكرمة.
بدر شاكر السياب الذي انتهى الى درس في منهج تعليمي و تمثال، هو صريع مظلوم من الوف صرعى النظام السياسي و الاداري العراقي، فصلته الحكومة العراقية من التعليم لأنه كان شيوعيا وعمره احدى و عشرون سنة، ثم اعادوه مدرسا ثم فصلوه ومنعوه من ممارسة التدريس لعشر سنوات فقط!
ثم اضطر للعمل متذوقا للتمر فقط!
ثم اسلموه للبطالة و اضطر لترك اليسار العراقي، ومخافة تكرار تجربة الاعتقال التي مر سنة 1949، اضطر معها لترك العراق كله هاربا لايران فالكويت فلبنان، ثم عاد للعراق بعد سنوات ليفصله الجمهوريون مثلما فصله ملكيو العراق، و بعد فصله اعتقلوه، واجبروه على البحث عن طعام و علاج، فعمل برغم مرضه الشديد في الترجمة، و لما اشتدت اوجاعه و زاد عجزه تكفل اصدقاؤه بعلاجه و تكفلت الكويت ان تستكمل رحلة الصراع مع مرضه، ولما عجزت ساقاه عن حمله، فصلته حكومة عبدالسلام عارف برغم ان الرجل صار يتحرك على كرسي مدولب، ثم اعادته بعد ذلك لوظيفته لكنه صار اقرب للميت منه للحي، فلقد اصيبت اطرافه بالشلل، ولما جاءت ساعة العلاج لم تكن حكومة العراق مستعدة لجبر الضرر، فتلقته الكويت التي فيها.
قالوا ان الفقر في صغره سبب له فقر دم و نحول زاده السل، و الحكومة طبعا ليست مسؤولة عن الفقر فتلك ارزاق، و لا السل فذلك ابتلاء، و لا الفصل، فذلك اختيار من صاحب الاختيار، هي تعالج من تحبهم و تثري من تحبهم و تداري من تحبهم، اما السياب و من هم مثله فوقود نار تشعله الملكية و الجمهورية، فأن صار السياب و امثاله نجوما يشير اليها العالم، اضافوا قصيدته الى كتاب مطالعة و جعلوا من وجهه مشروع تمثال بحسب مسقط الرأس.
هذا هو تراث و تاريخ عقلية حكومات الخير و ايام الهناء، فالحكومة ساعدت المرض و الفقر في سرعة الاجهاز على السياب بتعليمات مستندة لقانون، و ترفقت به بعض الوقت بنفس السند، لكنها في الشأن الداخلي و مع رعاياها تكون اسدا يمزق لحم فرائسه و يكسر عظامها بعين لا ترمش، لكن عين النظام يكون خروفا يساق لذبحه ان تعلق الحق بألتزام لدولة اخرى او رعايا دولة اخرى، فيعوضها بصوفه و لحمه و شحمه و قرنه ان كان له قرن.
السياب قتيل حكومته و ليس في القانون ولا العرف ان يقتصر الحق على عوض المقتول بنص منشور لقصيدة بكتاب او بتمثال، و لا ان يتكرر ذلك كلما مضت حكومة لتأتي غيرها فتضيف ضحايا للسابقين.
لا ادري ان كان ابناء السياب او ورثته قد تلقوا عوضا عن ابيهم، فأن اخذوه بناء على شكوى للقضاء او لشموله يقانون تعويض فذلك فيه رد لشيء من حق، وان رفضوا فلعلمهم ان اباهم اكبر من تعويض قاتل، لاسيما و ان قتلة السياب ربما مات اكثرهم، ماتوا او جرى قتلهم او طردهم ليس لقتلهم السياب او قتل و تشريد غيره، بل لانهم ابناء نظام سابق.